الإقطاع وعدم المساواة في العطاء من شرع الله

الإقطاع وعدم المساواة في العطاء من شرع الله

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل بضعة اشهر بشّرني أحد المنتمين إلى السّلفيّة بشريط تمثيلي باسم (مونوبولي)، وفهمت منه أنّ بعض شياطين الأنترنيت ابتدع  هذا الإفك الذي ظنّه السلفيّ حقّاً -. منتَقداً دولة الدعوة إلى التوحيد والسّنّة والإقطاع الشّرعي، ومدّعياً أنهما سبب ما سُمِّي (أزمة الإسكان)، وذكّرَتْني بشرى هذا السّلفي الحركي ببشرى سلفيٍّ حركيٍّ آخر قبل عشرين سنة باحتلال قوات البعث العراقي دولة الكويت، وكاد يعانقني لولا أنّه تنبّه في اللحظة الأخيرة إلى كراهيتي للمعانقة وأنّي كنت أقود السّياّرة التي كنا نركبها وقت البشرى فسمع هو من مذياعها الخبر الذي أفرح أكثر السّلفيّين الحركيّين والحزبيّين والعلمانيّين في أمّةٍ (لم تَسْلُ بَعْدُ عبادة الأشباح) كما يقول شوقي رحمه الله، ولو كان الشّبَحُ صدام حسين، ثم فُجِع الجميع – بفضل الله – بعودة الكويت إلى أهلها وطَرْد الغادر اللئيم وحزبه وحَسْرَة مؤيديه  وطلبت من صاحب البشرى (المونوبوليّة) أن يوافيني بما يتيسّر له من النّصوص الشرعيّة عن الإقطاع والفقه فيها وعادته سرعة الاستجابة لمثل هذا الطلب إلاّ هذه المرّة فقد مضت عدّة أشهر وهو لا يستجيب رغم تذكيري وعتابي أكثر من مرّة، فظننت أنّه لا يريد الاستجابة لأنّ النّصوص وفقهها لا توافق فكره، فطلبت من الدّكتور عبد العزيز السّعيد فزوّدني جزاه الله خير الجزاء بما تيسّر له، وطلبت من الدّكتور محمد الفريح فأجاد وأفاد جزاه الله خير الجزاء، وإلى القارئ الكريم بعض ما وصلني  من الشّيخين تولى الله مكافأتهما:

1) صحيح البخاري برقم 3151: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزّبير أرضاً من أموال بني النّضير، وأخرجه مسلم.

2) وفي صحيح البخاري برقم 3150: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم آثر أناساً في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناساً من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله هذه القسمة ما عُدِل فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله»؟ وأخرجه مسلم.

3) وفي صحيح البخاري برقم 3163: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، فقالوا: لا  والله حتى تكتب لإ خواننا من قريش بمثلها.

4) وفي صحيح البخاري برقم 3165: أنّ العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطني، إنّي فاديت نفسي وفاديت عقيلا، قال: «خذ» فحثا في ثوبه.

5) وفي صحيح البخاري 3164: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر: «لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا»، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء مال البحرين، قال أبو بكر: من كانت له عند رسول الله عِدَة فليأتني، فأتاه جابر فحثى ثلاثا، وأخرجه مسلم.

6) وفي صحيح البخاري برقم 1045: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء فيقول: أعطه أفقر مني، فقال له: «ماجاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك» وأخرجه مسلم.  [وقال ابن المنذر بأنّ من العلماء من استدل بهذا الحديث على وجوب أخذ هدية السّلطان].

7) وفي صحيح مسلم برقم 1063: أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله يقبض منها يعطي النّاس، فقال: يا محمد اعدل، قال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدلإنّ هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السّهم من الرّميّة».

8) وفي سنن أبي داود برقم 3062: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبيلة ولم يعطه حقّ مسلم.

9) وفي سنن أبي داود برقم 3058: عن علقمة بن وائل عن أبيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضرموت.

10) وفي مصنّف ابن أبي شيبة عن موسى بن طلحة: أنّ عثمان أقطع خبّاباً أرضاً وسعداً أرضاً وصهيباً أرضا.

11) وفي مصنّف ابن أبي شيبة: أنّ عثمان أقطع خمسة من أصحاب النبي صلى الله علبه وسلم: ابن مسعود، وسعداً، والزبير، وخبّاباً، وأسامة بن زيد.

12) وفي مصنّف ابن أبي شيبة: أنّ عمر أقطع عليَاً ينبع.

13) وفي مصنّف ابن أبي شيبة: أنّ عمر أقطع رجلاً من ثقيف يقال له نافع أبو عبد الله أرضاً بالبصرة على ألا تكون من الخراج.

14) وفي مصنّف ابن أبي شيبة برقم 33032: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطع عليّاً القفيزين: قيس والشّجرة.

15) وفي مصنّف لبن أبي شيبة برقم 33035: أنّ أبا بكر أقطع الأقرع ابن حابس وعيينة بن حصن وكتب عليها كتاباً.

16) وفي السّنن الكبرى للبيهقي برقم 121: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزّبير حضر فرسه فأجرى الفرس حتى قام ثم رمى سوطه، فقال صلى الله عليه وسلم: «أعطوه حيث بلغ السّوط».

17) وفي السنن الكبرى للبيهقي برقم 2135: أنّ أبا بكر رضي الله عنه أقطع الزّبير ما بين الجرف إلى القناة.

18) وفي السنن الكبرى للبيهقي برقم 12139: أنّ عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: إنّ أبا عبد الله سألني أرضاً على شاطئ دجلة تختلي فيها خيله فإن كانت ليست من أرض الجزية ولا يجري إليها ماء الجزية فاعطها إياه.

19) وفي السنن الكبرى للبيهقي برقم 1214: أنّ عثمان رضي الله عنه أقطع خمسة من الصحابة منهم سعد وابن مسعود رضي الله عنهما فكانا يعطيان أرضيهما بالثلث.

20) وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (3-51): أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لعيينة بن الحارث وأخويه بالمدينة.

21) وفيها: (3-56) : أنه صلى الله عليه وسلم أقطع لعثمان داره.

22) وفيها  (3-175): أنه صلى الله عليه وسلم أقطع لأبي بكر موضع داره.

23) وفيها (3-240 ): أنه صلى الله عليه وسلم جعل لأبي سلمة موضع داره.

24) وفيها (3-150 ): أنه صلى الله عليه وسلم أقطع عمار بن ياسر موضع داره.

25) وفيها (3-253): أنه صلى الله عليه وسلم أقطع خالد بن الوليد مو ضع داره.

26) وفي نيل الأوطار (6-45) أنه صلى الله عليه وسلم أقطع ابن مسعود فيمن أقطع.

27) وفي نيل الأوطار (5-312): أنّ عبد الرحمان بن عوف قال: أقطعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر ابن الخطاب أرضاً فذهب الزّبير إلى آل عمر فاشترى نصيبهم، وأقرّ عثمان رضي الله عنه ذلك.

28) وفي الأموال لأبي عبيد، ص386: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع رجلاً من الأنصار يقال له سليط – وكان يذكر من فضله – أرضاً، فكان يقيم بها الأيام ثم يرجع فيقال له: لقد نزل بعدك كذا …إلخ فأعادها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (كراهة أن يفوته شيء من الوحي والفقه) فأقطعها الزّبير.

هذه بعض الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تدل على أنّ الإقطاع وعدم المساواة في العطاء [فيما عدا الغنيمة] شرع الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين.

لكن من بصفون أنفسهم بالاسلاميّبن (ومنهم من ينتسب للسّلفيّة بغير حقّ) يجهلون شرع الله وسنة رسوله فيقدِّمون عليهما فكر سيّد قطب الضّال عنهما، ولعلّ جمال عبد النّاصر قد أخذ حَرْبه على الإقطاع وعدم المساوات من (العدالة الاجتماعية ومعركة الإسلام والرأس مالية) لسيّد تجاوز الله عنهما فاستباح اغتصاب الأراضي المملوكة وتوزيعها على النّاس واستيلاء الدّولة على الأموال والممتلكات بفتوى من سيّد قطب (وكان يعمل معه في السّنة الأولى بعد الثّورة) تفتري على شرع الله أنّ السّبب الشرعي الوحيد للتملك هو العمل فأجاز بل أوجب على الدّولة أن تستولي على الأموال التي في يد من سمّاهم: المتبطّلين الكسلانين، وسمّاهم جمال، العاطلين بالوراثة. فالحقّ أنّ ما خرج به جمال عن الحكم بما أنزل الله سبقه إليه سيّد قطب وإن افترت عصابته أنه قتل شهيداً لمطالبته بالحكم بما أنزل الله، والحقّ أنّ سيّد أساء إلى الإسلام وأئمة المسلمين وعامّتهم مالم يفعله جمال ولا غيره من ولاة المسلمين حتى اليوم؛ فلم يقل منهم أحد: أنّ عمر رضي الله عنه هو الذي ابتدع عدم المساواة (قليلاً) في العطاء، ولم يقل منهم أحد: أنّ عهد عثمان رضي الله عنه فجوة بين عهد الشيخين وعهد علي رضي الله عنهم، ولم يقل منهم أحد: أنّ ثورة الخوارج على عثمان رضي الله عنه كانت (فورة من روح الإسلام) وأنّ الثّائرين عليه (أُشْرِبَتْ نفوسهم روح الدّين إنكاراً وتأثماً)، وفي المقابل لمز خمسة من المبشّرين بالجنة وغيرهم من الصّحابة (العدالة الاجتماعيّة (168 إلى 175) 1415) ولم يتّهم غيره معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما بالكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم)كتب وشخصيات ص242، فضلاً عن رمي موسى صلى الله عليه وسلم بالتّوتّر، والتّعصّب القومي والانفعال العصبي (التّصوير الفنّي (200 إلى 203) 2000) والقول بأحديّة الوجود, (في ظلال القرآن تفسير سورتي الحديد والإخلاص) وغيرها كثير، أنظر شيئاً من ذلك في كتاب محاكمة فكر سيّد قطب على موقع باسم سعد الحصيّن. ولك أن تسأل: كيف يأخذ السّلفي الحركي والحزبي – فضلاً عمّن دونهم ممن ينتمي إلى السّلفيّة مجرد انتماء – كيف يأخذ دينه من الفكر الظنّي ويترك الوحي والفقه فيه من أهله، وهو اليقين؟ والجواب: (من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون)، اختاروا مصادر الإشاعات والإذاعات والأنترنيت، فوكلهم الله إليها هدانا الله وإياهم لأقرب من هذا رشدا.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه في 1434/3/20هـ.