الشعراوي كما عرفته تجاوز الله عنه

الشعراوي كما عرفته تجاوز الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم

الأستاذ محمد متولي شعراوي كان أحد أساتذتي أربع سنوات بكليّة الشّريعة بمكة وهي أوّل كُلِّيّة للتعليم العالي في جزيرة العرب، قبل أن تتحول قبل عشرين سنة إلى (جُزْئية) من جزئيات جامعة الملك عبد العزيز شطر مكة، ثم إلى جزئية من جزئيّات جامعة أم القرى بمكة المباركة. وكان تجاوز الله عنه خفيف الظّل مؤهّل للخطابة وللوعظ القصصي المبتدع. وكان يدرّسنا البلاغة منذ عام 1373هـ، ويمزج درسه ببعض ما قرأه عن الفنون العصرية، وكأنّما كان يحرص على الإبتعاد عمّا كان يعرفه النّاس عن الأزهريّين من الإقتصار على العلوم الشّرعيّة. أذكر مرّة في درس البلاغة الفنّ الوحيد الذي تخصّص في تدريسه أنّه ترك البلاغة بلا سبب ظاهر وأخذ يشرح لنا بالقول والرّسم كيف تطير الطائرة وعلاقة ذلك بالرّيح والمراوح (لم يكن للنّفّاثات وجود يومها)، كانت معلوماته كثيرة ومتناثرة وذاكرته قويّة ولكنّه لم يكن يفرِّق بين الحديث الصّحيح والضّعيف والموضوع، ولا بين السّنّة والبدعة، ولا بين التّوحيد (دعاء الله وحده) والشّرك الأكبر (دعاء غير الله)، ولا بين التّفسير الشرعي للقرآن بالمأثور عن النّبي صلى الله عليه وسلم وهو المكلّف ببيانه: {لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم}، وعن صحابته والتّابعين لهم بإحسان في القرون الخيِّرة، وبين التّفسير البدْعي المبنيّ على الفكر (في القرن الماضي بخاصة) بل كان أكثر اعتماده (إن لم يكن كلّه) على هذا النّهج الضالّ عمّا كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم رضي الله عنهم وأرضاهم:

1 ) مما أذكره من خروجه عن نهج السّلف: تفسير كلمة (ذرّة) في مثل قول الله تعالى: {لا يعزب عنه مثقال ذرّة} بما وُصِف حديثاً بأنّه أصغر جزء في التّفاعل الكيميائي (atom)، وهذا بلا شكّ مخالف لبيان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفهْم أصحابه وتابعيهم الذين نزل القرآن بلغتهم رضي الله عنهم وأرضاهم ولا يجوز تفسير القرآن بغيرها، أمّا تفسير الشعراوي لهذه الكلمة فهو تفسير لليقين بالظّنّ، وقولٌ على الله بغير علم.

2 ) ويقول الشعراوي تجاوز الله عنه: أنّه يمكن الوصول إلى الجنّة بأحد طريقين: الطريق المعروف (أن تعبد الله تعالى طمعاً في جنّته وخوفاً من ناره) وطريق رابعة العدويّة التي تقول : اللهم إن كنت أعبدك طمعاً في جنّتك فاحرمني منها، وإن كنت أعبدك خوفاً من نارك فأدخلني فيها. والله تعالى يقول لعباده : {وادعوه خوفاً وطمعاً}.

3) ولم أره مرّة أنكر ما عليه أكثر المبتدعة من الشرك الأكبر بصرف شيء من العبادة لغير الله، وعندما يمرّ على آية تأمر بإفراد الله بالعبادة وتنهى عن دعاء غير الله معه: {وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} {ومن أضلّ ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة} {فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره} لا يكاد يذكر شيئاً عن أوّل ما أمر الله ورسله به ولا عن أوّل ما نهى الله ورسله عنه، مع كثرة استطراداته وشطحاته. بل كان يدرّس عدد سنين في وثن باسم الحسين رضي الله عنه فلا ينهى من يطوف بالوثن ويطلب المدد، وعندما نبّهه أحد الدّعاة إلى الله قال: إنّ الذي يطوف ويدعوا لا يقصد إلا الله وإنّما يتقرّب بالحسين إلى الله، وهذه حجّة المشركين: {ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى}، بل سمعته يسخر تجاوز الله عنه ممن يعمل بأحاديث الصحيحين في النّهي عن اتّخاذ القبور مساجد (في مثل الأوثان المبنية على ما يسمّى قبر الحسين والسّيدة زينب في القاهرة ودمشق ومئات بل آلاف من مثلها في بلاد المسلمين العرب والعجم) بدليل قول الله تعالى عمن غلبوا على أصحاب الكهف: {لنتّخذنّ عليهم مسجداً}، قال: ولم يقل الله أنّهم أخطأوا، وبدليل لغويّ من اختراعه: أنّ البناء على الضّريح في المسجد يسمّى (مقصورة)، [فالبناء مقصور على القبر ومفصول عن المسجد]، وأعجب كيف أقام في مكّة المباركة بضع عشرة سنة ولم يصحح فكره عن التّوحيد والشرك، ولكنّه وجد في مكّة من الوافدين إليها من يزيده ثباتاً على خطئه، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأرجوا الله أن يعذرهم بجهلهم.

4) ومنذ عرفناه لم نثق بما يقول في التّوحيد ولا في التّفسير ولا في الحديث ولا في الفقه ولا في أيّ علم أو فنٍّ غير البلاغة، فهو مثل كلّ أو أكثر الواعظين القصّاصين يخلط بين الغثّ والسّمين والفكر والوحي واليقين والظّنّ.

5 ) ومن أمثلة القول على الله بغير علم : قوله في تفسير {قل انظرروا ماذا في السّماوات والأرض}: الشمس تبعد عنّا 8 دقائق ضوئية والثانية الضوئية تساوي (300،000) كيلو متر. وفي تفسير {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}: (ومن العجب أن العناصر المكوِّنة للإنسان هي نفسها المكوِّنة لطين التّربة الخصبة مما يدلّ على تأكيد الصّدق في أنّ الله خلقنا من طين… وأهمّ هذه العناصر الأوكسجين، الكربون، الهدروجين، النّتروجين) وعدّ 14 عنصراً، وهو لا يعرف عن هذا الأمر أكثر من: سمعت الناس يقولون شيئاً فَقُلْتُه والحقيقة أنّ كلّ من افترى على التّفسير ما سُمِّيَ: الإعجاز العلمي في القرآن من طنطاوي جوهري إلى مصطفى محمود ومن تبعهم مثل الزّنداني وزغلول النّجّار وعبد الله المصلح قاصرون في العلم الشرعي والعلوم العصريّة (النّظريّات الكونيّة)، وقد بهرهم الفكر الأروبي فحسبوا أنّهم يحسنون صنعاً بربطهم هذا الظنّ بيقين القرآن تجاوز الله عنهم وكفى الإسلام والمسلمين شرّهم.

سعد الحصين- 1434/05/01هـ.