فَنِيَ الخميني وبقيت فتنته للمفتونين به
فَنِيَ الخميني وبقيت فتنته للمفتونين به
بسم الله الرحمن الرحيم
أ ـ قبل ربع قرن ظهرت فتنة الخميني في أبرز تطوّراتها بعودته من فرنسا إلى إيران و إنشائه ما سُمِّي بالجمهورية الإسلاميّة، وكان سلاحه (منذ أن غادر إيران إلى تركيا ثم العراق ثم فرنسا حتى عاد إلى إيران بعد (17) سنة): ما سُمِّيَ بالشريط الإسلامي، ولعلّه أعاد صلاة الجمعة وخطبتها للدّعاية السّياسيّة وفق الفِرْيَة الفكريّة: (السّياسة من الدين)، فسُمِّيَتْ: الخطبة العباديّة السّياسيّة، وأعْلَنَ أنّ أمريكا هي الشيطان الأكبر.
ب ـ والتَقَطَ حزب الإخوان المسلمين المبتدع ومتّبعوه من الخوارج منهاج الخميني (بصفته الأب الرّوحي لحماس، والقدوة لقادة الحزب وأكثر أفراده)، واستعملوا الشريط الموصوف زوراً بالإسلامي وغيره من وسائل الإعلام (الانترنيت بخاصّة في هذا العصر) لأهداف الحزب. واستغلّوا فريضة خطبة الجمعة لِسَرِقَة السّلطة، ولكنّهم كانوا أقلّ أمانة من الشّيعة فلم يصفوها بالسّياسة مكتفين بواقع مَسْخِها من فريضةٍ لتعليم النّاسِ أمْرَ دينهم وتذكيرهم بآلاء الله ربهم و أيامه، إلى وسيلة تهريجيّة للخروج على ولاة أمور المسلمين.
وكذبوا على المسلمين فأعلنوا أنّ أمريكا هي الشّيطان الأكبر ، وأنّ كلّ شرّ فهو من تخطيط وتدبير أمريكا وإسرائيل، مخالفة لكتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم وفقهاء الأمّة رحمهم الله جميعاً. فأكبر أعداء ولد آدم إبليس ونفسه الأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربي، وقال الله تعالى:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير}، وأيّ كَسْب أسوأ من دعاء المقبورين عند أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد والأضرحة، وهو أكثر ما يقترفه أكثر المنتمين إلى الإسلام والسّنّة أو الشّيعة أو غيرهما؟ وهو الموبقة الكبرى. ولا يحدث شيء في الكون إلاّ بقدر الله وإرادته وتدبيره منذ كتب الله مقادير الخلق في اللوح المحفوظ، ومِنْ قَدَره أن يُسَلِّط من يشاء لمعاقبة المجرمين من خلقه سواء كان أمريكا أو إسرائيل أو صدّام أو حزبه، أو هولاكو أو الحزب الإخواني المبْتَدع: {وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}.
أمّا نِسْبة ما يحدث في الكون إلى أمريكا كما يقول الخميني وأتباعه فهو إشراك لأمريكا أو إفراد لها بالرّبوبيّة، تعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً. والسّياسة الرّخيصة ومصدرها: وسائل الإعلام ليست من الدّين، وإدخالها فيه (في خطبة الجمعة أو غيرها) شرعٌ لم يأذن به الله وقولٌ على الله بغير علم، ومكرٌ بالإسلام وخديعة للمسلمين، وإن كنت لا أتجاوز فيهم قول الله تعالى: {وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً}،{ويحسبون أنهم مهتدون}.
ج ـ ولما لم يجدوا عند الخميني أيّ اهتمام بهم التفتوا إلى عدوّه حزب البعث العراقي ورئيسه المجرم صدّام الدّين والدّنيا الذي كانوا يكفّرونه ـ من قبل ـ لغزوه إيران، ولكنّ السّياسة الرّخيصة (وطُلاّبها) لا أساس لها من الدّين، ولا الخُلُق ولا الحياء المعيشي الفطري، فطبّلوا له وزمّروا حين غزا الكويت لعلّهم يجدون عنده من الإهتمام ما لم يجدوه عند الخميني، ونجح الخميني وسقط صدّام وحزبه بفضل الله.
د ـ وبَيْنَ الخميني وصدّام تشابه في الحقد والظلم، الخميني حَقَدَ على الشاه الذي نفاه بضع عشرة سنة (لم يسجنه ولم يقتله) فكافأه بمطاردته والمطالبة بدمه حتى لم يَكَدْ يَجد بلداً يؤويه (وهو ينتظر الموت بالسّرطان) إلى أن آواه السّادات في مصر جزاه الله خير الجزاء. ولكنّ حِقْد صدّام كان موجّهاً ضدّ مؤيّديه وحلفائه في الجامعة العربيّة، بل ضدّ العراقيّين المنتمين للسّنّة في حَلَبْجَة بالموادّ الكميائيّة وبعدهم المنتمين للشّيعة بالمواد الكيميائية، ولم يعترض العرب ولا الأمم المتّحدة وأوروبا وأمريكا، بينما هم جميعاً يطالبون بزيادة الإعانة العسكريّة للخوارج في سوريا لاحتمال استعمال الجيش السّوري للأسلحة الكيميائية.
هـ ـ وبين الخميني وصدّام تشابه في جهلهما أو عدم اهتمامهما بِفَرْض إفراد الله بالعبادة واتباع السّنّة وتحريم الشرك والبدعة. بل إن كلاًّ منهما أقرّ شعبه(سنّة أو شيعة) على الشرك الأكبر وغيره من الإبتداع في الدّين، ولم يُهْدم في إيران ولا العراق وثن واحد من أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والمراقد منذ هَدَمَت الدّولة السّعودية الأولى عدداً من الأوثان في كربلاء والزّبير والبصرة عام 1216هـ، وقَتَلَ أحَدُ الأكراد المنتمين للسّنّة (من بلد العماديّة) الإمام عبد العزيز ابن محمد رحمه الله عام (1218) انتقاماً لها. بل أعاد صدّام بناء ما تهدّم من أوثان في ثورة الشّيعة بعد تحرير الكويت.
و ـ ولكنّهما غير متشابهين في السّمت والمظهر، فالخميني خير من صدّام في سَمْته، ومظهره أقرب إلى السّنّة ـ وهو شيعي ـ من صدّام المنتمي للسّنّة، الأوّل: موفور اللّحية محفوف الشّارب وفق الهدي النّبوي، والثاني: عكسه، حتى احتاج إلى وسيلة للتّنكر هرباً من الموت. والأول: مثال الزّهد في مجلسه ومأكله ومتاعه، والثاني: مثال الكبْر والغطرسة والإسراف، العراق يجري فوقها نَهْرَا دجلة والفرات وتجري تحتها أنهار النّفط وفيها الأرض الخصبة واليد العاملة، ولكن السّفاهة الحزبيّة أضاعت كلّ شيء بجهلها وسوء تصرّفاتها. وقد يلتقي الخميني مع صدّام في هذا بسعيه إلى نقل الثورة إلى جيرانه وهم خير منهما ديناً ودنيا وقد ذهبا وبقيت دول الخليج بفضل الله عليها.
ز ـ ولكنّ الخميني كان وفيّاً لعقيدته الفاسدة ولعبادته (المبتدع منها والصّحيح) أكثر من جلّ الدّول المسلمة، ولو زُرْتَ أيّ سفارة له في العالم لوجدت أبوابها مفتوحة للذّكور، وللإناث بشرط الإلتزام بالحجاب (عدا الوجه والكفّين)، ولَوَجَدت سفِيْرَهُ عالماً من علماء الشيعة بما لا ينافسه إلاّ سفراء الفاتيكان، بل الفاتيكانيّون أقلّ اهتماماً بالدّعوة إلى عقيدتهم رغم ماضي الرّهبان وحاضرهم في التّنصير، لأنّ الدّول الأوروبّية والأمريكيّة علمانيّة لا يجيز لها الدّستور تعليم الدّين ولا الدّعوة إليه. وربّما غلب على سفارات الفاتيكان العُرْف الدّبلوماسي وبالتّالي الحذر من الدّعوة إلى النّصرانيّة في بلاد مسلمة ـ مثلاً ـ فأهْمَلَتْهَا.
ج ـ وأرجوا الله أن يهدي السّنّة والشيعة إلى دينه الحقّ الذي أرسل به نبيّه صلى الله عليه وسلم وثَبَتَ عليه خلفاؤه وصحابته وآل بيته رضي الله عنهم وأرضاهم، وأن يجنّبهم الشرك والشّكّ والشقاق والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن، وشرّ الفتن بعد الشّرك بالله: القول على شرع الله بغير علم، والخروج على ولاة أمر المسلمين (ولو أمروا بمعصية فلا تجوز الطاعة في المعصية)، ما لم يَرَ أهل الحلّ والعقد كفراً بواحاً معهم عليه برهان من نصوص الوحي والفقه الأوّل فيها ، فلأهل الحلّ و العقد ـ لا الغوغاء ـ تغيير المنكر بما يُصْلح ولا يُفْسد.
ط ـ ولعلّ الله أن يهدي الحزبيّين والحركيّين والفكريّين والصّحفيّين السّفهاء، أو يكفّ ألسنتهم وأقلامهم عن الإعتداء على الإسلام و المسلمين وولاة أمورهم وعامّتهم، وأن يوفّق ولاة الأمور لحماية الدّين من عبث الجاهلين الموصوفين ـ زوراً بالإسلاميّين ـ من الأطبّاء والمهندسين والواعظين بالقَصَص وزخرف القول.
ي ـ وحين أنفذ الله قَدَرَه الكوني بتولّي الإخوان المسلمين السّلطة في مصر بأغلبيّة غوغائيّة ضئيلة من أصوات السّلفيّين المخدوعين بعد (70) عاماً من السّعي المفسد في الأرض، فَتَح الحزب المبتدع أبواب مصر للخمينيّين لزيارة العتبات المدنّسة لأوثان سُمِّيَتْ بالحسيْن رضي الله عنه وبالسّيّدة زينب رضي الله عنها بعد إغلاقها (40) سنة في عهد السّادات ومبارك جزاهما الله خير الجزاء.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه، في 1434/06/22هـ