من سعد الحصين إلى عبد الله المطوع [3] [نقاش حول جماعة الإخوان المشئومة]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الله الشيخ/ عبد الله المطوّع وفقه الله لما يرضيه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأرجو الله لكم كلّ خير، وشكراً على رسالتكم بتاريخ 1408/5/20 وآسف لتأخير الردّ عليها لوصولها أثناء غيابي في المملكة وبقائها أكثر من شهرين في انتظاري وإلاّ فإنّي حفيّ بالإجابة على رسالة أخ كريم مثلك يهتم بالدعوة إلى الله يوظف فيها نفسه وماله وجاهه.. جعلنا الله وإياكم من الدّعاة إلى سبيله على بصيرة وأعاذنا وإياكم من التعصب للرّأي والفريق والحزب.. والنقاش التحريري أحب إلي من الجدل الشفهي لما يهيئه الأول من وقت وجهد وإعادة نظر في مختلف الآراء ومراجعة الوثائق:
1) وإجابة لسؤالكم هل انتسبتم لكل هذه الجماعات؟ أقول: لا.. ولكن النتائج واضحة لكل متبصّر وخاصة لمن هو خارج الجماعة ومن المفيد للبصر والبصيرة أن تتاح لنا الفرصة للنظر إلى الأمر من خارجه لكي نحيط به.. ومعلوم أن من الصعب علينا أن نرى عيوب أنفسنا إذا لم نلتفت إلى رأي الآخرين فينا.
ويبدو أن اخي الكريم في معرض دفاعه عن الحزب الذي يميل إليه لم يفهم رأيي ولا رأي لجنة البحوث ولا رأي الشيخ بن عثيمين في مبدأ وجود الجماعة.. فكل واحد منا يرى مجرد تكوين الجماعة (دون قرار من ولي الأمر) خروجاً من جماعة المسلمين، وتميّزاً بالاسم والشعار والبيعة والمركز، وتحزّباً وتفريقاً لجماعة المسلمين إلى فرق مستقلة كل واحدة منها ترى الخير فيما عندها ومن ينتمي إليها وترى النقص والانحراف في غيرها.
فآمل ملاحظة أني واللجنة الدائمة للبحوث والفتوى والشيخ محمد بن عثيمين لا نطلق كلمات (التحزّب والتعصب وتفريق كلمة المسلمين على جميع العاملين في الصّف الإسلامي) كما ذكرتم ولكننا نطلق كلمة التّحزب على مجرّد تكوين جماعة متميّزة عن جماعة المسلمين عامة باسمها ومركزها وأميرها وبيعتها.. وقد نتج عن ذلك التّعصب للجماعة واعتبار كل نقد أو نصح لها تهجّماً أو تحاملا عليها.. وقد رأينا كيف جمعت التبرعات لضحايا فتنة حماة ثم حرم منها أفراد وأسر (الطّليعة) الذين انفردوا بمباشرة المشكلة وتضرروا منها أكثر من غيرهم.
ورأينا كيف تجمع التبرعات باسم المستشفى الإسلامي الخيري وصندوق المريض الفقير ثم ينتفع منه من له صلة بالجماعة القائمة عليه أكثر من غيرهم.. وذكرت لكم واقعة معيّنة حتى لا أترك مجالاً لتهمة التّحامل.. واليوم أذكر اسم طرفيها: الشيخ صابر حامد عبده والشيخ مدين ابراهيم حسن ليمكنكم مراجعة السّجلات إن رغبتم في تمحيص الحقيقة وترك الحكم الظّنّي المبني على العاطفة: {إن الظن لا يغني من الحق شيئا}.
ومع أننا نحسن الظنّ بمن أنشأ هذه الجماعات ونثق في سلامة نياتهم وأهدافهم إن شاء الله لأن النية محلها القلب والله وحده عليم بما تخفي الصدور.. وعلى هذا نختار حسن الظنّ بالمسلم.. مع هذا لا يجوز لنا أن نسكت على أخطائها وانحرافاتها عن منهج الدّعوة الصحيح الذي بعث الله عليه أنبياءه ورسله.. وخاصة عندما يتعلق الأمر بمعنى أو مقصد لا إله إلا الله وتحريفه من العبودية إلى الحاكميّة أو الرّبوبيّة.. وبترتيب الأولويات ونقله من التركيز على العقيدة إلى (الثقافة الاسلامية) ومن إصلاح المحكوم إلى إصلاح الحاكم.
يشاركني في هذا الرأي الكثيرون من العلماء والدّعاة والمصلحين منهم: سيّد قطب رحمه الله الذي يقول بأن (الحركات الإسلامية تشغل نفسها بالاستغراق في الحركات السياسية المحدودة المحلّية، كمحاربة معاهدة أو اتفاقية، وكمحاربة حزب أو تأليب خصم في الانتخابات عليه، كما أنها تشغل نفسها بمطالبة الحكومات بتطبيق النظام الإسلامي والشريعة الاسلامية بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن فهم مدلول العقيدة الاسلامية والغيرة عليها، وعن الأخلاق الاسلامية. ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدّعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السّياسية الجارية) ص29 من: (لماذا أعدموني).. هذه كلمات سيد قطب رحمه الله أبرز رجل في جماعة الإخوان واقربهم إلى منهج الدّعوة إلى الله وليست كلمات رجل لم ينتسب إليهم ويمكن أن يردّ كلامه دون محاولة الاستفادة منه بدعوى أنه (متحامل).
مرة أخرى.. لا أشك في حسن نية الشيخ حسن البنا رحمه الله عندما أنشأ جماعة الإخوان.. ولا أشك في حسن نية الشيخ/ محمد إلياس رحمه الله عندما أنشأ جماعة التبليغ.. ولا أشك في نية الشيخ أبي الأعلى المودودي رحمه الله عندما أنشأ الجماعة الاسلامية.. ولا أشك في نية أي مسلم بل إني أذكّر نفسي وأذكّر النّاس كثيراً بأن الله شهد للكفّار بأنهم أرادوا الخير لأنفسهم باختيارهم الضلال: {إنهم اتّخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.. ولكن النية شيء، والعمل شيء، والنتيجة شيء ثالث.. ولا يكفي صلاح النية دون صلاح العمل أي قيامه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولا يكفي صلاح العمل دون صلاح النية.. أما النتيجة فلا يجوز لنا أن نحاسب عليها أحداً فهي في يد الله وحده..
مرّة أخرى: نحن لا نتّهم النّيّة ولا نناقشها.. بل نحكم على المنهج المعلن ونحكم على الواقع.. ونريد بهذا الحكم أن تتبين الجماعة جوانب الصواب وجوانب الخطأ في منهجها وواقعها ونرجوها وندعو الله لها بتصحيح المنهج والواقع على سنّة خير الأنام صلى الله عليه وسلم.
والدّاعي إلى الله يا أخي الكريم أكثر أهمية عندنا من المسلم العادي وخطأ الأول أخطر من خطأ الثاني.. وواجبي وواجبك وواجب كلّ مسلم تصحيح منهج الدّعاة لا السكوت عليه ولا التعصب له ولا تثبيط محاولات إصلاحه. وعندما كتبت لك رسالتي الأولى والثانية وعندما كتبت لك هذه الرسالة فإني أحرص على نقل النصوص من كتب قادة الإخوان أو الموالين لهم لا من مخالفيهم.. فلا مجال إذاً (للتحامل).
لا أناقشكم في أن الجماعات الاسلامية ومنها جماعة الاخوان قامت (لتجميع صفوف المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم).. لكن هذا هدف.. ولا يمنع وجود هذا الهدف من أن يخطأ المؤسس أو المقلّد.. وهو في أغلب الأحوال ليس بعالم شرعيّ يعصمه علمه من الخطأ في فهمه للكتاب والسّنّة.. للعقيدة والعبادة الصحيحة.. وللمنهج الصحيح في الدعوة.
أتفق معكم على رفع جماعة الإخوان شعار المطالبة بالحكم الشرعي.. ولكنكم لم تفسّروا لي قسم ممثلي الإخوان في البرلمانات على المحافظة على الدّستور الذي يعتبرونه مخالفاً لشرع الله.. وقد أوردت لكم نصّ ملاحظة الشيخ محمد قطب وفقه الله ص(463) و(500) من (واقعنا المعاصر) وهو ينعى على جماعة الإخوان (المشاركة في المجلس الذي يشرّع بغير ما أنزل الله) وهي تطالب بالحكم الشرعي.. وينعى عليها (التحالف مع الشيطان ممثلاً في أحزاب تنكر شريعة الله) ثم(تلزم أعضاءها بالسمع والطّاعة لهذا العمل أو تهدّدهم بالفصل إن عارضوا) وهذا هو ما حدث بالفعل بين قادة الجماعة في سوريا وبين الطليعة فلم يكف الفصل فأضيف إليه الحرمان من الاستفادة من التبرّعات التي جمعت باسمهم.
ومحمد قطب وفقه الله ممن يصعب اتّهامه (بالتحامل) على الإخوان.
وقد أكدت لكم أننا غير مؤاخذين على النتائج إذا صلحت النية وصلح العمل.. ولكن العقل السليم فضلاً عن الشرع الحكيم يوجّه إلى الاستفادة من النتائج والتّجارب.. ولم يظهر لي ولا للكثيرين من الدّعاة أن جماعة الإخوان قد أفادت المجتمع المسلم في مصر أو سوريا أو غيرها بتحقيق هدفها الأساسي: إصلاح الحاكم، أو استفادت من إخفاقها المتكرّر في سبيل ذلك.. وهذا أحد قادة الجماعة يشهد بذلك: (منذ ربع قرن والحركة الاسلامية الحديثة تعيش محناً ضارية، تقدم فيها الشهيد تلو الشهيد، وتبذل الثمن غالياً من وجودها وحيادتها دون أن يكون لها من ذلك أدنى مردود) ثم: (الحركة الإسلامية على الرغم من كلّ هذا، لا يزال أسلوبها في العمل نفس الأسلوب الذي مارسته في ظلّ أوضاع غدت في خبر كان، بل وغدت ممارساتها لها اليوم في إعقاب التحول الجذري الذي شهدته المنطقة ضرباً من الانتحار، وجريمة لا يجوز السكوت عنها) هذا ما قاله فتحي يكن قائد حركة الإخوان في لبنان..(مشكلات الدعوة والداعية.. بيروت1980) ومن الصعب اتهامه (بالتحامل).
وفي نهاية الكلام على هذه النقطة لا يسعني إلا أن أتساءل: كيف (تجتمع صفوف المسلمين) بواسطة قيام جماعات إسلامية تختلف في أهدافها وشعاراتها وراياتها ومراكزها وأمرائها وبيعاتها على الطاعة العمياء لمناهجها المختلفة وقادتها؟ أخشى ما أخشاه أن ينطبق عليها قول الله تعالى: {وإنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتّقون.. فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كلّ حزب بما لديهم فرحون}.
2) عندما يقول حسن البنا رحمه الله: (والبدعة الإضافية والتركية والالتزام في العبادات المطلقة خلاف فقهي لكلّ فيه رأيه) فمن العدل والإنصاف عرض كلامه على ظاهر قواعد الشريعة واللغة العربية ووزنه بميزانهما وليس لنا (مؤيدين أو معارضين) أن نبحث عن نيّته وما يكنه صدره وليس لنا أن نقبل الخطأ فهو ليس بمعصوم.. وبمثل هذه الحجة دافع المتصوفة عن كلمات الكفر التي امتلأت بها مؤلفات ابن عربي.
3) وكلمته المشهورة: (نتعاون فيما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) لم أر قبلكم من قال إنها وردت في مناقشة بعض الأمور الحياتية والتجارية أو السياسية.
الجميع يعرفون والمنصف يقرّ بأنه رحمه الله قالها فيما يتعلّق بالخلاف الديني وأخطأ في إطلاقه.. وهو بشر مثلنا يخطئ ويصيب.
ونرجو الله لنا وله المغفرة.. وكأنني بالإخوة في كلّ جماعة والإخوة الموالين لها وإن لم يجرءوا على ادّعاء العصمة لمشايخهم وجماعاتهم فهم يدّعونها فعلاً بدفاعهم المستميت عن كل نقد صغير او كبير يوجّه إليهم والواجب أن نعترف بالخطأ ونحاول تصحيحه قولاً وفعلاً.
4) لا شك أن الشيخ حسن رحمه الله (لا يعذر الناس على ارتكابهم المنكر.. والفحشاء) كما ذكرتم وله كلام جيّد في إنكار شيء من ذلك.. ولكنه رحمه الله يعذر الناس في ارتكاب البدع الإضافية والتركية والتوسل بالذّات في الدّعاء.. وقد سقت لكم النص الذي تركه لأتباعه في أهم رسالة في منهج الجماعة.
5) ما قرأته من (تاريخ الإخوان ومواقفهم من حرب الإنكليز في القتال وحرب اليهود في فلسطين) هو من أقوال أفرادهم وليس من عادتي أن أقبل تزكية المرء لنفسه ولا إيهام عدوّه له.. وبالمقارنة نعرف ان القناة عادت إلى مصر باتفاقية عارضها (الإخوان) ووقعها ونفذها أعداؤهم.
ونعرف أيضاً من الواقع أن اليهود لم يخرجوا من فلسطين بيد الإخوان ولا بيد غيرهم (مع كثرة الادعاءات من كلّ جانب) حتى نستطيع الحكم بصدق هذا الادعاء أو ذاك.. والذين اشتركوا في مقاومة الانكليز واليهود كثيرون ويتبعون مذاهب وملل ونحل مختلفة منها الصالح ومنها الطالح ولا أرى علاقة لذلك بإنكار البدع أو الوقوع فيها.
ويشهد التاريخ بأن الإخوان صادموا كثيراً من الحكومات وأنهم والوا كثيراً من الحكومات مع ان من صادموا ومن والوا يسيرون في اتّجاه واحد.. في الماضي حالفوا حكومة إسماعيل صدقي وخالفوا حكومة النقراشي.. وفي الحاضر حالفوا البعث العراقي وخالفوا البعث السّوري (مثلاً).. وهذه وقائع واضحة لا يمكن إنكارها وليست أقوالاً يطالب التعصّب بتأويلها.
ولا شك أن الإخوان تعرضوا (لاعتقالات وسجن) وقتل أيضاً رحم الله من مات منهم وهدى من بقي لأقرب من هذا رشداً.. ولكن الخلاف بينهم وبين من اعتقلهم (واعتقل بسببهم غيرهم) لم تبرز فيه العقيدة الصحيحة والقضاء على البدع وهدم الأضرحة كما برزت فيه الخيارات بين تحديد الملكية بخمسة فدادين أو 500 فدان وبين إخراج الانكليز بحرب (خاسرة) أو باتّفاقية سلمية (ناجحة).
وأرجو العودة إلى ما قاله فتحي يكن أمير الإخوان في لبنان عن مقدمات ونتائج سياسة الإخوان ومفهومه أن الإخوان يثيرون الحكومات فتبطش بهم (وبغيرهم بسببهم وتمنع الاجتماعات الدّينيّة وتراقب المساجد ويضيّق على من يظهر عليه نشاط ديني) وعندما تموت الحركة السياسية وتبدأ المياه في العودة إلى مجاريها ويعود النّشاط الديني بمختلف مناهجه يثير الإخوان حركة جديدة فيعود البطش ويعود التضييق.. والخاسر في كلّ حاله: الإخوان والنشاط الدّيني عامة حتى لقد أصبح الدّعاة إلى الله خارج جماعة الإخوان يتضرّعون إلى الله أن يهدي الجماعة إلى كبت تطلعاتها السياسية وإعطاء غيرهم فرصة لإصلاح ما يجب وما يمكن إصلاحه بلا اغتيالات ولا متفجرات ولا ردود فعل حكومية: البدء (من العقيدة والخُلُق لا من الشريعة والنظام).. (نفس النقطة التي بدأ منها الإسلام) والكلام لسيد قطب رحمه الله.. ص34 المرجع السابق (لماذا أعدموني).
ومن المناسب هنا أن أضيف أن سيّداً رحمه الله عندما حاول تصحيح منهج (الإخوان) على هذا النحو عارضه بعضهم (وأخذ يتحمس ضده بشدة باعتبار أن فيه مخالفة للخط الحركي الذي سارت عليه الجماعة من قبل وتخطئة لها في بعض تحركاتها) ص34 نفس المصدر. هذه إحدى لوازم التحزّب.
6) إذا كان أخي الكريم يجهل أنّ (سعيد حوّى) من قادة الإخوان في سوريا أو يجهل أن كتبه ومنها (تربيتنا الروحية) من أكثر الكتب انتشاراً بينهم فإني لأخشى أنه يحصل على معلوماته عن (الإخوان) من مصادر غير موثوقة ولا أستبعد أن تكون مستغلّة تظهر له ما يحب وتخفي عنه ما يكره حتى تضمن ولاءه ودعمه. صحيح أن (سعيد حوّى) ختم الله لنا وله بخير قد انفصل عن الجماعة (أو كاد) بعيد حادثة حماة ولكن الخلاف بينهم (تكتيكي) كالعادة.. وليس لصوفيته أو بدعيته.. وقد عاد إليهم الآن ولكن مرضه وظروف بلده لا تمكّنه من العودة إلى نشاطه.
ودليلي الذي طالبتم به على قبول القيادة لفكره: نشر كتبه بينهم وتقديمها في الصّف على كتب الشريعة والسّنّة.. ولكن ما دليلكم على أن جماعة الإخوان (جماعة سلفية تتمسك بالكتاب والسنة ونبذ ما سواهما)؟ أروني كتابا واحدا من كتب الإخوان المعاصرين في مصر أو السّودان أو بلاد الشام أو غيرها تهاجم البدع والأوثان (الأضرحة) المنتشرة فيها بين مؤلفات الإخوان الكثيرة في (الفكر الإسلامي) و(الثقافة الإسلامية).. أروني مؤسسة واحدة من مؤسساتهم تهتم بما بدأ الله به بعثة كلّ رسول من رسله.. أروني مؤتمراً من مؤتمراتهم خصّص لهذه الغاية.. أروني معهداً من معاهدهم يركز على العقيدة.
ظني وظنّك وادعائي وادعاءك لا يقنع أحداً إلا بدليل ظاهر وقد حاولت في هذه الرسائل الثلاث أن أردف كلّ رأي أعرضه بقول عالم معتبر من علماء السّنّة أو نصّ من منهج الجماعة أو شهادة من أهلها عليها.. وليت أخي يلتزم بمثل ذلك في مستقبل بحثه ونقاشه إذ فاته ذلك في ماضيه.
7) ذكرتم أنه (قد يخرج من منتسبي الإخوان فرداً أو أفراداً يكتبون وفق آرائهم واجتهاداتهم الخاصة أشياء لا يقرّها الإخوان) لا معنى له في ردّكم عليّ لأني لم أتطرق إلى ما يفعله فرد أو أكثر من أفرادهم وإنما نقلت نصوصي من مناهجهم وعن قادتهم وأوردت وقائع ثابتة يستطيع أن يراجعها من أراد البحث عن الحق ولم يعمه التّعصّب.
8) يسألني الأخ عن أسباب تأييدي وتعاوني في الماضي مع جماعة التبليغ وأسباب تركي لها.. والسبب واضح ذكرته في رسالتي (عن الجماعة) التي اشتركت بها في ندوة اتّجاهات الفكر الإسلامي المعاصر في البحرين في منتصف عام1405.
كانت جماعة التبليغ أول جماعة أنتمي إليها وستكون بإذن الله آخر جماعة بعد أن منّ الله علي بأن أنقذني من التعصّب والرّجوع إلى الحق وبعد أن اتّضح لي أن الجماعة التي اخترتها لظنّي أنها أبعد الجماعات عن التحزّب والانعزال عن جماعة المسلمين العامة تخفي من الانتماءات الطرقية والبدعية ما لم تبديه.. وإنما أدعو أخي الكريم لمثل ذلك فيجعل رائده البحث عن الحق والتثبّت مما يقوله الآخرون عن جماعته التي يواليها.. وهو بما أعطاه الله من جاه ومال أحرى بالنجاح في محاولة الإصلاح فلرأيه ثقلة والجماعة تلتمس رضاه ورضى أمثاله.
9) أقول مع أخي الكريم: (فليكن هدفنا جميعاً إصلاح عيوب الناس [وعيوبنا] والدّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة)
10) وتتساءل عن الإسراف في المركز الإسلامي في وادي الحجر من الزرقاء ومئذنته التي قدرت تكلفة بنائها بـ(60 إلى 75) ألف دينار أردني ولم يمكن رفع الهلال [البدعي] عليها إلاّ بطائرة هيلوكبتر.. هل بنته قيادة الإخوان أم قام عليه فرد من أفرادهم؟ وأجيب بكلّ تأكيد أن قيادة الإخوان هي التي بنته مركزاً لها وجمعت تبرّعاته من أثرياء الجزيرة العربية والأردن.
11) وتذكرون بارك الله فيكم وهداكم إلى الحقّ: الفكرة عندكم وعند غيركم من أهل عمان عن المستشفى الإسلامي (وقد عوجلتم به) أنه من أرخص المستشفيات التجارية.. لا شك أن هذه الفكرة هي ما تظنّون أنه الحقّ لأنه من حولكم ومن ترجعون إليه في مثل هذه الأمور يؤكدون لكم ذلك.. ولكنهم غير محايدين فهم المستفيدون من تصديقكم هذا الزعم البعيد عن الحقيقة.. وليتك تسأل من تشاء من أهل عمان خارج نطاق الجماعة.. وأرجو ألا تقيس معاملتهم لغيرك على معاملتهم لك.. ولتحكم بيننا وزارة الصحة الأردنية. ولقد عالجت أحد أفراد عائلتي في مستشفى الشميساني من الدرجة الأولى بين مستشفيات عمان التجارية وأسكن المريض في الدرجة الأولى وأجريت له عملية استئصال اللوزتين.. بينما عالجت آخر في المستشفى الإسلامي في غرفة بالدرجة الثانية لعلاج ظفر الإبهام من قدمه ولم يكن بين الأجور فارقاً يذكر (110) للحالة الأولى و(90) للحالة الثانية.
أمّا المريض المصري الذي أعفي من 400 دينار أخذت من صندوق المريض الفقير القائم هو الآخر على التبرّعات لأن أحد الموالين للجماعة توسط له والمريض الثاني الذي لم يعف من فلس واحد فقد ذكرت اسميهما في أول الرسالة وهما من أصدقائي وزملائي في الدّعوة إلى الله وكانا معاً يقيمان في المسجد المجاور لمسكني في عمّان.
ولا تظنّ أنني لم أزر إدارة المستشفى ولم أناقش معها بعض هذه المخالفات.. والمفروض أن تتبين من كل ما قدمت لك.. أني لا أصدر إلا عن بيّنة ولا أغتر بشهادة المؤيد ولا اتهام المعارض وأرجو من أخي الكريم أن يعيد النظر في هذا الأمر على هذا النحو.. فمن السهل أن يكون النقاش من دعوى وإنكارها وأن يتهم أحد الأطراف بالتعامل والثاني بالتعصب وينتهي النقاش بلا فائدة لأي طرف.. وهذه (للأسف) طبيعة النقاش بين الجماعات الاسلامية في أغلب الأحوال.
أمّا أن نقدم الوثائق على ما نقول من منهج الجماعة وتصرّفاتها المعروفة الظاهرة وكتب قادتها وكتابها ومن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذا هو طريق الهدى الذي ليس بعده إلا العناد.
12) جزاك الله خيرا على عدم استبعادك الخطأ في مجلة المجتمع وليتك لا تستبعد الخطأ من جماعة الإخوان.. والسبب في عدم مساواتك بين الاثنتين في احتمال الخطأ أن المجلة بين يديك بخطئها وصوابها أمّا الجماعة فلا يصلك عنها إلا صورة مزيّنة يُبْعِد عنها التعصّب الحزبي احتمال الخطأ.
13) بيّن الله تعالى في سورة المائدة أنه كتب {على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً}.
ويعزّ علينا قتل نفس واحدة بغير حقّ.. ولكننا نتكلم في موضوع آخر: المبالغة والتهويل في ما يسمى بالإعلام الإسلامي.. إذا قدرتم عدد القتلى بعشرين ألفاً وقدرهم غيركم بثلاثين ألفاً وجاءنا تقرير المكتب الاعلامي للإخوان المسلمين (منشورات التحالف الوطني لتحرير سوريا لا يعدّ أكثر من 10% من هذه التقديرات ألا يحق لنا أن ندّعي المبالغة والتهويل في (الإعلام الإسلامي)؟ وإذا قالت مجلة المجتمع أن مدينة حماة محيت من وجه الأرض ثم زرناها فلم يجز لنا العدل والانصاف (بأمر الله تعالى) أن نقول عن هذا الادعاء إلا ما قلناه عما قبله.. فهل يحق لكم أن تستغربوا ذلك ولم تقفوا على الواقع كما وقفنا عليه؟
14) أما رسالة قائد الطليعة للقيادة وراء الحدود وشكواه من أنه لم يصله أكثر من 500 مليون فقد اطلعت على نسخة منها قدمت وثيقة في بحث النزاع على توزيع التبرعات لشكوى ممثلي الطليعة أنهم محرومون منها.
15) الشيخ سعيد حوّى ختم الله لنا ولكم وله بخير جاء إلى الأردن فترة القطيعة بينه وبين الإخوان يعرض نفسه ورصيده من التبرعات على الطليعة.. وكان شرط الطليعة لقبول عرضه أن يرجع عن المخالفات الشرعية في (تربيتنا الروحية) وغيرها.. ولم يحصل اتفاق.
16) أما ما ذا أريد من هذا القول.. فهو واضح من رسالتي السابقة حساب الأرباح والخسائر من الفتنة وأنها تكررت كثيراً فتجاوز ضررها الإخوان في كلّ مرّة.. وقد نقلت لكم شهادة شاهد من أهلها بذلك (فتحي يكن) رئيس الجماعة في لبنان.
ولم يقتصر الضرر هذه المرة وكل مرّة على فقد الأرواح والممتلكات ولكن أصاب في الصميم الحركة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها القريب: كانت المساجد قبل الفتنة تمتلئ بالشباب وكان الدعاة إلى الله يجدون مجالاً واسعاً لأداء وظيفتهم ثم قامت الفتنة فتوقف كل نشاط أو كاد.. ولولا رحمة الله لما وجد داع إلى الله بعد إثارة السلطة على النشاط الديني عامة لصعوبة التمييز بين الإخواني وغير الإخواني بين المتدينين.
17) ميثاق التحالف الوطني بين الإخوان والعلمانيين في سوريا معروف ومطبوع ولا ينكره أحد من الإخوان.. وعدنان سعد الدّين هدانا الله وإياكم وإياه أدلى بحديثه المنكر إلى مجلة الوطن العربي بصفته أحد (قادة الإخوان) الثلاثة في سوريا.. وبصرف النظر عما إذا كان قد تخلى فيما بعد عن القيادة أو لم يتخلّ عنها.. وحتى لو لم يكن قد قال ما قال.. فإن في واقع معادات الإخوان لسلطة بحجة مخالفتها للشريعة وموالاتها لسلطة أخرى تقوم على نفس المنهج بل أسوأ (والحق يقال) مدعاة للأسى والأسف على ما بذل من مال وأرواح وأكثر من ذلك على ما ضاع من فرصة وما أغلق من باب واسع للإصلاح الديني إن لم يكن بين الحكام وهم الأقلية فبين المحكومين وهم الأكثرية.
18) وعلى هذا المنوال أختم هذه الرسالة بما بدأت به هذا النقاش الذي أرجو الله أن يجعله مثمراً ومفيداً..
ليس (أهم ما يجب أن تتجه إليه همم المسلمين الآن [ولا في أي وقت] توحيد الصفوف وجمع الكلمة) كما قال الشيخ/ حسن البنا رحمه الله في ختام رسالة العقائد (ص331 من مجموعة رسائله) والتي أخطأ فيها خطأ أكبر في العقيدة إذ ظن أن رأي السلف في الصفات: (السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى) ص330.. عفا الله عنا وعنه.
ولكن أهم ما يجب أن تتجه إليه همم الدّعاة إلى اليوم وكل يوم حتى تقوم الساعة ما عبّر عنه سيّد قطب رحمه الله في كتاب: (لماذا أعدموني) بـ: (إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول) ص29.. و(فهم العقيدة الإسلامية فهماً صحيحاً) ص32.. و(زرع العقيدة) ص38.. وهذا هو المنهج الشرعي في الدّعوة.
وقد اعتبر سيد قطب رحمه الله حجة (توحيد الصفوف وتجميع الكلمة) عند التساهل في شيء من شريعة الله مدخلاً من مداخل الشيطان.. (في ظلال القرآن ص749 من الجزء الثاني).
وللأسف فقد عرفنا كثيراً من نشاط جماعة الإخوان في مصادمة السياسيين ولم نسمع عنهم شيئاً في مصادمة المبتدعة والمتصوفة وعبّاد القبور.. وقد نقلت لكم نص شهادة سيد قطب رحمه الله بهذا الصدد (ص3) من هذه الرسالة.
وأرجو الله لي ولكم وللجماعات الاسلامية كافة العون والهداية لإسقاط هذه الأسماء والشعارات والبيعات التي فرقت كلمة المسلمين وشتتت شملهم وأذهبت ريحهم وشغلتهم بمناهجهم الحزبية عن طريق الدعوة على بصيرة.
وبلسان (فتحي يكن) إن ظواهر التعددية في العمل الإسلامي لا يمكن أن تكون أو تعتبر ظاهرة صحيّة، لأن انعكاسها على الساحة الإسلامية سلبي وسيّئ، ومن شأنه أن يجعل بأس العاملين بينهم، ويشغلهم عما هم بصدده من مهام وأعباء).. (المتساقطون على طريق الدعوة ص126) وأهم ما يجب أن يشغل من اختار وظيفة الدعوة إلى الله كما يقول سيد قطب رحمه الله ليس (الاستغراق في الحركات السياسية) ولا(مطالبات الحكومات بتطبيق النظام الاسلامي والشريعة الإسلامية بينما المجتمعات ذاتها بجملتها قد بعدت عن مدلول العقيدة الإسلامية والغيرة عليها) (لماذا أعدموني ص29).
اللهم أرنا الحق حقّاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.. اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
بارك الله لكم في العمل الصالح والمال والأهل والولد وجزاكم خير الجزاء على فتح باب النقاش الصريح في هذا الموضوع.. وأرجو (مرة أخرى) إذا رغبت في بحث هذا الموضوع مع أحد أطرافه عدم اطلاعه على رسالتي فليس لكلّ الإخوة ما لأبي بدر من سعة الصدر والصبر والعدل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم/165/م في 1408/8/12هـ.