حمية الجاهلية الطائفيّة وراء فتنة سوريا
حمية الجاهلية الطائفيّة وراء فتنة سوريا
بسم الله الرحمن الرحيم
يكاد العربُ المنتمون إلى الإسلام والسنة بالوراثة والادعاء يُجمعون على مؤازرة الخوارج في سوريا بالمال والسلاح والدعاية، وهم قطعًا لا يجتمعون على الحق والعدل والعلم والعمل الرباني. ويزيدهم إصرارًا على إضرام نار الفتنة والقتل والتشريد والجوع والخوف ما يلقونه من عون منظمة الأمم المتحدة وأفراد دولها اللادينية غالبًا.
وإن تعجب فعجب تأييد بعض دول مجلس التعاون الخليجي للثورة في سوريا، وهم لا يرضونها لبلادهم ودولهم؛ ونجاح الثورة في سوريا يشجع غوغاء الحزبيين والحركيين على الثورة في مكان آخر، كما حدث في تونس ثم في ليبيا ثم في مصر ثم في اليمن ثم في سوريا.
وأكثر ما يتلمَّظُ عليه الثوارُ نفطُ الخليج حقدًا وحسدًا، وبغضًا لقدر الله وإرادته تمييز أهل الخليج بالدنيا، أما تمييز الله لهم بالدين فلا يهتم الثوار به ولا يتمنونه لأنفسهم ولا لغيرهم فيما يظهر منهم.
ركوب الطائفية الدينية:
عادة الإخوانيين عدم الأخذ عن علماء السنة الأعلام وعلى رأسهم بعد القرون الخيّرة: ابن تيميّة رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ولكنهم لجؤوا إليه مرة واحدة ـ فيما نعلم ـ حينما انتزعوا ورقة من مجموع الفتاوى ونشروها لإعانتهم على قيام ما سمّوه: (جمهورية الإخوان المسلمين السورية) في بداية القرن الخامس عشر من الهجرة.
ولم يحقق الإخوانيون من محاولاتهم غير منع بيع المجلد الذي انتزعوا منه الورقة التي تحكم بكفر الطائفة التي طمعوا في انتزاع الحكم منها.
وتكلم ابن تيمية رحمه الله في ورقة مجاورة عن كفر طائفة أخرى، فلم يهتم الإخوانيون بنشرها لأنها لا تفيدهم في السطو على السلطة. وابن تيمية رحمه الله تكلَّم عن طائفة سئل عنها وحُدِّدت له صفاتها، وُجدت قبل عصره وربما استمر وجودها في عصره وبعده. ولكنه دون شك لا يجيز لنفسه ـ فضلًا عن غيره ـ الحكم بذلك على معين بعد سبع مئة سنة أو أقل أو أكثر؛ وقد قال رحمه الله في المجموع نفسه (3/229): (إني من أعظم الناس نهيًا عن أن يُنسب مُعيَّن إلى تكفيرٍ أو تفسيقٍ ومعصيةٍ إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجَّة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى). فهل بعد هذا البيان البليغ في النهي عن تكفير المعيَّن الحاضر يجوز بعد أكثر من سبعة قرون الحكم بكلامه على معين؟!
مَنْ أشد الطوائف على السنة وأهلها:
لا شك ولا ريب أن أشدَّ الطوائف في سوريا (حرباً على السلفيّة وأهلها): هم المنتمون إلى السنة من المتصوفة والخرافيين والقبوريين ومن المبتدعة عامة، وهم الأكثرون في سوريا وفي جميع الأمصار، خارج جزيرة العرب، ومنذ عرقتُ سوريا قبل نصف قرن وإقامتي فيها فترات طويلة ظننتُ أن أهل السنة الصحيحة لا تتجاوز نسبتهم الخمسة في المئة من عدد السوريين، ولكن الشيخ خيرالدين وانلي الذي ولد وعاش ومات بينهم وعانى من حربهم للسنة وأهلها وكَّد لي أن نسبة السنيين حقًّا لا تتجاوز الواحد في المئة، وذكَّرني بأن ابن تيمية وأمثاله كانوا قلَّةً منبوذةً في القرن الثامن وما قبله وما بعده، وما لقيه ابن تيمية من السجن ثم النفي ثم السجن حتى الموت، وما لقيه تلميذه ابن القيم (رحم الله الشيخ وتلميذه وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة)، وكان ابن القيم رحمه الله أكثر تلاميذ ابن تيمية رحمه الله جهرًا بالدعوة وإنكارًا لوثنية المنتمين للسنة، وما دون الوثنية من البدع المنكرة، فلقي بعض ما لقيه شيخه من السجن، وكان يُضرب بالعصي ثم يطاف به على جمل في أسواق دمشق ليشمت به علماء الضلال وعامتهم. وأوقفني الشيخ عبد القادر الأرناؤوط على مسجد صغير في حي الميدان تحتقره أعين المبتدعة كان لا يسمح لابن تيمية رحمه الله (إذا سمح له) بالتدريس في غيره.
واستمر اضطهاد المنتمين للسنة لها وأهلها من القرن الثامن وما قبله بقرن أو قرنين إلى القرن الرابع عشر، ولم يظهر بعد ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله من يماثلهما ولا من يقاربهما في تغيير المنكرات الوثنية فما دونها، وإذا كان ابن باز رحمه الله لم يعرف في سوريا بعد ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله (فيما فهمتُ منه) أقوى عقيدة من البيطار والألباني رحمهما الله؛ فلا أعرف للشيخ بهجت البيطار إعلانًا لإنكاره على المبتدعة في سوريا غير ردٍّ على أحد مخرفيها باسم غير اسمه، وبعون من أحد إخوانه في المعتقد على خوف وترقب من ملإ المنتمين إلى السنة أنصار البدعة أن يفتنوهما.
أما الألباني رحمه الله فأعانه الله على بيان الحق المطلق في كتابيه: تحذير الساجد وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، بأمرين: قوة بَأْسِ الألباني، وانحسار دولة المنتمين للسنة، وعدم اهتمام حزب البعث الحاكم بالدين، وبالتالي عدم تحيزه لأي من المنتمين إليه، وعندما سعى علماء الضلال المنتمون للسنة في الأردن ونجحوا في تسليمه للمخابرات السورية لم يُمسَّ بأذى ولم يُمنع من الإقامة في سوريا ومن الخروج منها. وكان حزب البعث هو الحاكم الفعلي في سوريا، ولكنه لا يصلح لإثارة النعرة الجاهلية، لأن أكثر أفراده من المنتمين إلى السنة.
وإلى الموالين له منهم لجأ البوطي ليكيد للسلفية الناشئة في سوريا (والبوطي من مبتدعة علماء سوريا المنتمين للسنة، ولا أعلم من يُعَدُّ عالمًا من غيرهم) ولكن مكر البوطي وأمثاله لم ينفعهم، فلم تنتشر السلفية في سوريا منذ قبل عصر ابن تيمية مثلما انتشرت اليوم بفضل الله.
وخطر البعث على الإسلام والسنة الصحيحة ـ مع ذلك ـ أعظم من خطر طوائف الضلال مجتمعة، لأنه يعلِّم شباب سوريا من الجنسين ويربيهم على عقائده اللادينية، أما الطائفة التي تشاركه الحكم في سوريا فلا يظهر لها أي محاولة لتدريس عقيدتها بل ليس لها مدرسة واحدة في سوريا خاصة بها كالشيعة وحزب الإخوان – قبل حماة -، ولكن حزب البعث ينشر منهجه الدّنيويّ الفاسد في كل بلاد العرب، وقد حصلتُ على نسخة من تعميم له إلى جميع فروعه منها السعودية، وكان عبدالرحمن المنيف (سعودي سابق) مشاركًا لعفلق في الفكر الضال والبناء الخراب.
ولكن الثوار لا يريدون ذكر حزب البعث في دعايتهم ولا دعواهم ولا دعاء القانتين والخطباء، لأن ذكره لن يستدرَّ العواطف والنعرات الطائفية وبالتالي: المال والسلاح والدعاية.
كان غليون العلماني يقود الثورة السورية، ولما تغيَّرت القيادة ظننتُ أن أحد أسباب التغير الحرص على ظهور القيادة بمظهر ديني ولو بدعي (إخواني/صوفي) ليكون للمؤيدين من المسلمين حجة في تأييدهم، ولكن القائد الجديد (عبد الباسط سيدا) علماني آخر يعلن من أهداف قيادته: (حكم الشعب بالشعب وإعداد الشعب للضغط على الحكومة)، نفس أهداف الثورة الفرنسية الغاشمة ومن اقتفى أثرها من الاسلاميّين والعلمانيّين، [ثمّ جاء معاذ الخطيب (صوفيّ) ثم جاء جورج صبرا (نصراني) علماني، ثم جاء الجربا (سياسي)]، أما ذكر الله وشرعه فلا وجود له ولو للاستهلاك الثوري المخادع وتمويل الخليجيين المخدوعين.
كان الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله إذا دُعِيَ للتحقيق يتمنَّى أن لا يكون المحقِّق منتميًا للسنة، لما خبَرَ من شراستهم وسوء أخلاقهم. وأقسم لي الشيخ ملا إسماعيل شيخُ حمدي بن عبد المجيد السلفي رحمهما الله الذي هرب من العراق خوفًا من علماء الضلال المنتمين للسنة فوقع في مضايقة أمثالهم في سوريا: أن السلفية لم تتنفس إلا بزوال دولة المنتمين للسنة في سوريا، وأكثر أوثان العراق وسوريا والمغرب، وكلّ أوثان فلسطين والأردن ومصر والسّودان وعُمَان، خاصّة بالمنتمين – زوراً – للسّنّة، هدانا الله وإياهم.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. 1433/11/23هـ