مقدمة مجموع المقالات [1]

مقدمة مجموع المقالات [1]

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. [خطبة الحاجة من صحيح مسلم (ح: 867 – 868)].
وقد رغب عدد من الإخوة في الله وفي الدعوة إليه، جمع بعض المقالات التي كتبتها ـ حين ينبعث الداعي لها ـ نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فلم أجد ما يمنع ذلك، لأنها كتبت ـ أصلًا ـ ليقرأها الناس فتتحقق إحدى الحسنيين: أن تصيب فتذكر وتتقبل، أو تخطئ فأنبه إلى الخطأ وأرد عنه، على أني لست من هواة النشر لذاته ولا لمنفعته الدنيوية ـ بفضل الله علي ومنته ـ فقد رفضت طلبًا من إحدى المطبوعات الدينية لكتابة مقال دوري مدفوع الثمن ورددت ثلاث شيكات وصلتني منها ومن مطبوعة أخرى، فلست ـ ولا أريد أن أكون ـ كالنائحة المأجورة أو الصحفي المأجور ممن يتكسب باللسان أو القلم.
ولقد أدركت ـ بعد سنوات من إتمامي دراستي الشرعية في مكة المباركة عام 1376هـ، وعملي الإداري في وزارة المعارف بالرياض ـ أدركت نعمة الله على هذه البلاد وهذه الدولة المباركة بتمييز الأولى: باحتضان رسالة الله التامة الخاتمة، وعلى الثانية: بتجديد هذه الرسالة والعودة بها إلى أصلها مجردة من البدع والشبهات والأهواء منذ تعاهد على ذلك الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد ابن سعود رحمهما الله.
وأدركت نعمة الله علي بالانتماء إلى هذه الرسالة وهذا التجديد وهذه البلاد وهذه الدولة التي أسست من أول يوم على الدعوة إلى منهاج النبوة في الدين والدعوة إليه على بصيرة من نصوص الكتاب والسنة وفقه الأئمة الأوائل في هذه النصوص؛ بنشر الاعتقاد الصالح والعبادة الصالحة، ومحاربة الشرك ـ بالمقامات والمشاهد والمزارات ـ وما دون ذلك من الابتداع في الدين.
ورأيت أن من شكري لله على هذه النعم العظيمة ألا اكتفي بمجرد الانتفاع بها، بل أن أضيف إليه ما يتيسر لي من المساهمة في حفظ هذه النعم بالتذكير بها وتجديدها بالعودة بها إلى أصلها. ولما كنت أخدم البلاد والدولة مديرًا عامًا للتعليم الثانوي بدأت بمحاولة إصلاح هذا التعليم بإزالة الحواجز والقيود المستوردة ـ التي تعوق عملية التعلم وتناقض فطرة الله لخلقه وقدره عليهم ـ في أربع مدارس ثانوية بالمملكة المباركة سميت (المدارس الشاملة)، ومدرسة خامسة (ابتدائية ومتوسطة)، لم يلصق بها اسم يميزها، ومنح الله المدارس الشاملة نجاحًا ـ لم أتوقعه ولا غيري توقعه ـ قاد وزارة المعارف إلى النظر في تطويرها ونشرها وانتهت محاولتها بإلغائها، ولا تزال المدرسة الخامسة تنتظر.
وحين وافقت وزارة المعارف على طلبي التفرغ للإشراف على محاولتي في الإصلاح التعليمي، وجدت من الهمة والوقت ما يسره الله لي به الالتفات إلى الدعوة إلى الله؛ فبدأت بنشر مقالات في مجلة الدعوة (السعودية) كانت متأثرة بالأسلوب الصحفي وأساسه: الإثارة، ومع ذلك وضع الله النفع في عدد منها أكثر مما استحق وتستحق، وتلفت إلى ساحة الدعوة إلى الله فوجدتها مقطعة الأوصال بين الجماعات والأحزاب الموصوفة بالإسلامية: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32]، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، ووجدت أن (جماعة التبليغ) أقرب الجماعات والأحزاب إلى خلق الدعوة الصالحة من تواضع، وترفع عن طلب المنفعة المادية، ومن تضحية بالوقت والجهد والمال، فرافقتها بضع سنين، حتى تبين لي مخالفتها منهاج النبوة في أكثر وأسوأ من ابتداع الخروج ثلاثة أيام في الشهر وأربعين يومًا في العام وأربعة أشهر في العمر، بل في الإعراض عن نشر إفراد الله بالعبادة والإعراض عن التحذير من البدع وأشنعها أوثان المقامات والمشاهد التي نشأت واستقرت بينها، بل واحتضان قادتها البدع ومن أخطرها: البيعة الصوفية كالجماعات والأحزاب الدينية كلها.
ويوم صدر قرار وزير المعارف بتطوير (المدارس الشاملة)، تبينت في تفاصيل القرار خروجًا عن منهاج محاولتي الإصلاح وعودة إلى لزوم ما لا يلزم من القيود والنظم المستوردة، فبادرت إلى الاستجابة لدعوة كريمة ملحة بانتقالي للعمل في خدمة الدعوة والدعاة بدأها الشيخ عبد الله بن منيع نائب الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة وعضو هيئة كبار العلماء، وكررها الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ المفتي العام ورئيس هيئة كبار العلماء، فاخترت خدمة الدعوة والدعاة في بلاد الشام أكثر من عشرين عامًا.
أما هذه المقالات فتركز الاهتمام على التذكير بمنهاج النبوة في الدين والدعوة والحث على الالتزام به، ونبذ ما ابتدع من المناهج الفكرية وتعدد الجماعات والأحزاب، والتحذير من الانتماء إليها أو الاقتداء بها، مثالًا لتحكيم ما أنزل الله في كل أمر، {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].