مناقضة الابتداع والعدوان لدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم

مناقضة الابتداع والعدوان لدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

أ) أكثر عرب وعجم العصر المنتمين للإسلام (وللسنة وغيرها) يميِّزهم عن أكثر مخلوقات الله الحيوانية أنهم لا يتعلمون من تجاربهم، فهم يرتكسون في الخطأ ذاته مرات ومرات فلا يتذكَّرون ولا يفقهون ولا يعتبرون:
1- قبل بضع سنوات رسم صحفي نكرة، في صحيفة نكرة، بلغة نكرة، رسومًا مسيئة للمسلمين الذين لا يسوء أكثرهم الشرك بالله عز وجل وما دونه من الابتداع في دين الإسلام ما لم يأذن به الله افتراء على الله ومشاقة لرسوله؛ فوسوس الشيطان وسولت النفس الأمارة بالسوء لمسلم عربي هاجر من فلسطين (الأرض المباركة المقدسة) إلى شمال أوروبا في طلب الدنيا كما يقول عن نفسه، وليكون شوكة في حلق السنة ودعاة العودة إليها بعد نحو ألف سنة من مفارقتها. وسوس إليه الشيطان وسولت له النفس نشر هذه الرسوم في كل بقعة في العالم وبكل لغة، ومعها رسوم أخرى ادعى أنها وصلت إليه بالبريد ولم يرها قبله أحد، وكالعادة قادت العاطفة الهوجاء كثيرًا من المنتمين للإسلام إلى الاعتداء على الأفراد والممتلكات ومقاطعة البضائع الدنمركية، ثم خَبَت العاطفة وتوقف الاعتداء وانتهت المقاطعة، ولم يبق غير إثارة المُعْتَدَى عليهم لمزيد من الإساءة للإسلام.
2- قبل بضع عشرة سنة حرك الشيطان والنفس سلمان رشدي (بريطاني من أصل هندي) فنشر آياته الشيطانية وتحركت الآيات الشيعية، فحكم عليه الخميني بالإعدام، فارتفعت أسهم سلمان رشدي واشتهرت كتبه، وبخاصة: آياته الشيطانية، بسبب الدعاية الإعلامية للعاطفة الهوجاء الموصوفة زورًا: إسلامية. وبعد عشر سنوات ألغت إيران حكم الإعدام بعد أن تسبب المنتمون للإسلام في تخليد اسم سلمان رشدي في الموسوعات العالمية، بعد أن كان نكرة لا يعرف، ولا يعرف آياته الشيطانية إلا القليل من الشياطين.
3- وقبل أيام نُشر على شبكة المعلومات الفضائية فيلم سينمائي ساقط بكل المقاييس يرد به أفراد من نصارى العرب إساءةَ أفراد من العرب (المنتمين إلى الإسلام) إلى دينهم وكتابهم بالمثل؛ ودين الله واحد هو الإسلام أرسل الله به نوحًا وعيسى ومحمدًا ومَنْ بين نوح ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكن المنتمين إليهم يجهلون. ومن أشهر مظاهر هذا الجهل: مناظرات أحمد ديدات وسبه الإنجيل واستهزاؤه به، وهو لا يعرف المحرَّف وغير المحرَّف منه، ويخالف أمر الله لعباده المؤمنين: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وهذا نهي عن سب الأصنام والأولياء والأوثان وكل من يطلب منه المدد وهو غائب أو ميت أو غير قادر، فكيف بسب كتاب الله المحرف بعضه، ورد نصارى العرب في الغرب بالمثل، وهذه عاقبة الدعوة إلى الله بالجهل والعاطفة التي حذر الله منها. وعاد الغوغاء إلى ما سبق من سوء دون هدي من الشرع، بل ولا العقل، فقتلوا نفوسًا حرم الله قتلها بغير حق ولا ذنب جنته، واعتدوا على مباني السفارات الغربية، في مخالفة صريحة لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ورفعوا أسهم الفيلم الساقط ونشروه.
4- تضيق عقول أكثر المنتمين للإسلام عن تدبر كلمات الله وأحاديث رسوله والعمل والتعامل بها مع المسلم وغير المسلم بعد أن أزلهم الشيطان عن تدبرها والعمل بها في الاعتقاد والعبادة، وقد قال الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: 2]، وقال الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 2]، هذا مع الظالم فكيف بالمظلوم! وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وخصَّ الله اليهود والنصارى في الآية الأخرى فقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، فكيف إذا كان الظالمون غوغاء المسلمين ودعاتهم بالجهل؟! وفي الصحيحين أن رهطًا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم (في منزله بالمدينة النبوية) فقالوا: السام عليكم، قال: «وعليكم»، فقالت عائشة رضي الله عنها: السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلًا يا عائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش». وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وحذر من اتباع العاطفة والظن والهوى فقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23]، وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]، ولكن أكثر العرب يفتنون مرات ومرات فلا يرتدعون.
ب‌) دلني أحد خير دعاة التوحيد والسنة، محاربي الشرك والبدعة، الغيورين على نعمة الله على هذه البلاد والدولة المباركة التي ميزها الله (بفضله على آل سعود وفضَّله بهم) ميزها على جميع دول المسلمين (منذ الفاطميين) فلم يُبن فيها (منذ تسعين سنة) مزار ولا زاوية صوفية، ولا معبد وثني للمنتمين للإسلام ولا لغيرهم، مما ابتُليت به بلاد المسلمين جميعًا خارج جزيرة العرب المباركة. دلني أخي في الدين والدعوة على ما وصفه: (مشروع وثنٍ في بلاد أسست من أول يوم على محاربة الشرك والابتداع، تولاه من اتهم أنه باسم الدين خَدَع إمامَ الموحدين في هذا العصر عبد العزيز بن باز رحمه الله، فجمع باسمه أموالاً يعلم الله مقدارها لبناء مسجد ووقف عليه، يتولى وحده ـ دون رقابة ـ التصرف فيه، ولا يظهر للمسجد نصيب يذكر منه، وأن عددًا من مؤيدي التصوف والابتداع ـ الذين مولوا مدارس وكتب محمد علوي معاندين دولة التوحيد والسنة التي عاقبته على محاولته نشر ما سماه د. سفر الحوالي: ملة عمرو بن لحي؛ بعزله عن العلم وأهله وطلابه ـ هم الذين يمولون مشروع الوثنية في أقدس بقاع الأرض). ورغم استبعادي إلحاد سعوديين في المسجد الحرام معصية لله ولولاة أمرهم الذين أغناهم الله بهم من فقر وأطعمهم من جوع وهداهم من ضلال، أو بيعهم دينهم بعرض قليل أو كثير من الدنيا سيلقون جزاه، فقد حرصتُ على التثبت رغم ثقتي التامة بأخي، فزرتُ معه موقع ما يُسميه: (مشروع الوثنية) فلم أجد فيه غير أسماء مؤسسات لا يُعرف لها وجود، ووعد بإعداد موسوعة للسنة ليس في المشروع مؤهل واحد لتحقيق جزء يذكر منها، وقد عجز المحدث الأعظمي ومن ورائه جامعة الملك سعود من تحقيق هدف الجامعة بعد تفريغه نحو عشر سنوات وصرف ملايين الدولارات على محاولته، وقامت بعده عدة مؤسسات علمية وتجارية بمحاولات أخرى حققت شيئًا وقصُرت عن أشياء. ولم أر ما ينكر غير ما سبقني إليه اثنان هما خير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر اليوم من كبار علماء السعوديين أولهما الشيخ د. صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للفتوى، وثانيهما الشيخ العلامة عبد المحسن العباد رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة والمدرس فيها سابقًا وفي المسجد النبوي:
1- أن المشروع يظهر بمظهر المزار في مكة المباركة أو المدينة النبوية أو ما بينهما للحجاج والمعتمرين والزوار، تعرض فيه نماذج صناعية للباس النبي صلى الله عليه وسلم ومكاييليه وأثاثه ومقتنياته الأخرى، مما لم يهتم به الصحابة بجمعه ولا حفظه ولا عرضه، وهم القدوة، وما لم يكن دينًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وآل بيته رضي الله عنهم وأرضاهم فلن يكون دينًا إلى قيام الساعة، ولذلك فقد تجنبه وحذر من الوقوع في حبائل الشيطان بسببه جميع ولاة أمر هذه الدولة المباركة منذ اتفاق محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله على تجديد الدين بالعودة به إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام 1157، ثم جُدد العهد بين الإمامين تركي ثم فيصل بن تركي والشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله، ثم جُدد العهد بين الملك عبد العزيز رحمه الله وبقية أئمة الدعوة من نسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم ابن باز رحمهم الله جميعًا، وكان أبرز ما هداهم الله إليه وميزهم به: هدم المزارات الوثنية التي كانت تُسمى أوثانًا وأصنامًا وأنصابًا منذ قوم نوح، ثم وسوس الشيطان وسولت النفس بتسميتها: مقامات ومشاهد وأضرحة ومزارات، روى البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في آية سورة نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}: أولئك أسماء رجال صالحين لما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، فلما تنسَّخَ العلمُ عبدت. وروى البخاري وابن جرير عن ابن عباس: أن أوثان قوم نوح صارت للعرب: فكانت ود لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل، ويغوث لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، ويعوق لهمدان، ونسر لحمير. إذن فهكذا تبدأ الوثنية: بالاستحسان والنية الحسنة التي لا تستند إلى شرع، وإحياء أو تتبع آثار الأنبياء والصالحين وتجسيمها، وقد روى ابن جرير بسنده عن محمد بن قيس: أن حجة الصالحين في نصبهم: تذكر أعمال الصالحين وتشويقهم للعبادة. وذكره ابن كثير والقرطبي. وقريب من هذا ما فعله عبد الملك بن مروان في مسجد بني أمية حين ميَّز موضعًا في قبلته بسارية مميزة حفظًا لذكرى يحيى بن زكريا صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم وثنٌ يدعى مع الله عز وجل، ويستقبله أكثر المصلين، كما يحرص الصوفية والمبتدعة على الصلاة في دلة الأغوات في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إحياء لذكرى أهل الصفة واستقبالًا لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما بعد استحسان الوليد بن عبد الملك إدخالها في المسجد. ولما وضع ابن مروان القبة على صخرة بيت المقدس في عهد ابن الزبير رضي الله عنه (ولا ميزة لها إلا أنها قبلة اليهود) صارت أشهر من مسجد عمر رضي الله عنه، وأكثر المسلمين لا يرون أقدس منها، ولا يعرفون بيت القدس إلا بها، خلافًا لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وما وصفه أخي الدين والدعوة: (مشروع الوثنية وذُكر لي مثله في المدينة)، لا يختلف عن هذه الأمثلة: نية حسنة وعمل لم يشرعه الله ولا رسوله. وقد منع عمر رضي الله عنه من كان معه من تكلف الصلاة في موضع صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما ضل من كان قبلكم بتتبعهم آثار أنبيائهم.
2- إن هذا المشروع الذي ابتُدع بعد ألف وأربع مئة عام من انقطاع الوحي فهو شرع للدين لم يأذن الله به، ولم يسنَّه رسوله ولا خلفاؤه ولا صحابته ولا المجددون من آل سعود الذين طهر الله بهم مكة والمدينة وما حولها مرتين من أوثان المزارات، وكانت الحجاز قبلهم كما وصفها ابن تيمية رحمه الله: (وأما سكان الحجاز فأكثرهم أو كثير منهم خارجون عن الشريعة، وفيهم من البدع والضلال والفجور ما لا يعلمه إلا الله). الفتاوى (28/533). وكانت مقابر المعلاة والبقيع وشهداء أحد تضيق بأوثان الأضرحة والمزارات والمقامات، كما تضيق بها المقابر والمساجد هذا اليوم في بلاد الشام ومصر والعراق والسودان والمغرب وبلاد العجم. هذا المشروع يحتمل أمرين: شرهما الغلو، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين». والغلو في محبة الأنبياء والصالحين هو الذي جر اليهود إلى فرية: (عزير ابن الله)، وجر النصارى إلى فرية: (المسيح ابن الله)، وجرهم إلى تقديس القديسين والأحبار والرهبان، واتخاذ قبورهم مساجد، ودعائهم مع الله ومن دونه. وأخف الشرين أخذ الأموال بغير حق من جهلة التجار والزوار والحجاج والمعتمرين، إذا صحت رواية خديعة الإمام ابن باز رحمه الله، وأرجو الله أن لا تصحَّ، وإن أكدها لي كبير مستشاريه رحمه الله.
ج‌) تبرئة للمهتمين بهذا المشروع ومموليه، وكفًّا لافترائهم أو افتراء الناس عليهم، يجب على من ولاهم الله الأمر: (وزارة الشؤون الإسلامية بخاصة) وضع يدها على هذه المشروعات المتهمة بحقٍّ أو بما دونه، وإخضاعها لشرع الله، وتعين قائمين عليها وعلى صرف أموالها ممن جمع الله لهم العلم بشرع الله والأمانة على أعراض خلقه الذين أهلكتهم ـ غالبًا ـ محبة النبي صلى الله عليه وسلم على غير بصيرة من شرع الله، فلا يجوز اتهامهم بخيانة الأمانة الشرعية علمية أو مالية، دينية أو دنيوية، إلا ببينة. ومع إنكارنا لما فعلوا فلهم علينا حسن الظن بنياتهم، وقد قال الله تعالى عن شر خلقه: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30]، وقال تعالى عن شرِّ خلقه: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]. وحفظ الله البلاد والدولة السعودية من عبث الجاهلين، لتبقى لها القيادة السلفية، وفضل الله بالدين والدنيا.

مكة المباركة: 1433/11/1هـ.