ابن الجزري الصّوفي القبوري وأحكام التجويد المبتدعة
ابن الجزري الصّوفي القبوري وأحكام التجويد المبتدعة
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى فضيلة الشيخ/ محمد بن موسى نصر، وفقه الله لما يحبّه ويرضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فقد سمعتك تمجّد ابن الجزري تجاوز الله عنه انتصارًا لقواعد التّجويد المبتدعة، على من أنكر الالتزام، والالزام بها، مثل: ابن عثيمين، وفوقه شيخه عبد الرحمن بن سعدي، وفوقه الشيخ ابن باز، وفوقه ابن تيمية رحمهم الله ورفع درجاتهم في الجنة، بل فوقهم إمام أهل السّنة في القرن الثاني والثالث أحمد بن حنبل، الذي أنكر الإدغام الذي يخفي حرفًا من القرآن أنزله الله ووعد عليه بعشر درجات؛ فكيف لو أدرك بدعة الإخفاء ؟ رفع الله درجته في الفردوس، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فقد ضرب لنا مثلًا عظيمًا في مخالفة علماء الضلال.
ولأنكم بفضل الله تنتمون لمنهج السّلف، رغبت في اطلاعكم بعض المعلومات عن ابن الجزري، لعلكم لم تطلعوا عليها من قبل:
1) في كتاب (حثّ الأئمّة على دعوة الأمة) تأليف خالد محسوبي وتقديمكم (ص30) جعل المؤلف ابن الجزري (عفا الله عنهما) إمامًا وقدوة بنقله عنه في كتابه (غاية النّهاية في طبقات القرّاء) (نقلًا عن شيوخه أن شيخ شيوخه التقي الصّايغ رحمه الله كان يقرأ في صلاة الفجر:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الغَائِبِينَ}[النمل:20]، فضلّ يردّدها حتى جاء هدهد فوقف على رأسه)اهـ. وعلّق المؤلف تأثرًا بهذه الكرامة (بل الخرافة الصّوفيّة): (فالقرآن حياة والأئمة بدون هذه الحياة لا قيمة لهم) اهـ. ولعلّ الأئمة لا يزدادون ضياعًا بهذه الحياة إضافة إلى التكلّف.
2) وفي كتاب: (التعريف بالمولد الشريف) لابن الجزري (ص23) قال: (وكان مولده صلى الله عليه وسلم بالشعب، وهو مكان معروف متواتر[بل خرافة] عند أهل مكة، يخرج أهل مكة كلّ عام يوم المولد ويحتفلون بذلك أعظم من احتفالهم بيوم العيد) قلت: وقد أبطل هذه البدعة الإمام سعود ابن عبد العزيز بن محمد آل سعود رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنة، وعادت في غياب الدّولة السّعودية الأولى، والثانية، ثم أبطلها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنة، مع أوثان المقامات، والمزارات، والمشاهد، والاضرحة، وما دونها من البدع في مكة والمدينة وما حولهما، استجابة لأمر الله تعالى ونبيه وخليله ابراهيم: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26].
3) زاد ابن الجزري الضلال ضلالاً فقال في مولده (ص23): (وقد زرته وتبرّكت به عام حجتي سنة792، ورأيت من بركته عظيماً، ثم كررت زيارته في مجاورتي سنة 823، وكان قد تهدّم فرمّمته، وقرئ عليّ كتابي: (التعريف بالمولد الشريف)، وسمعه خلق لا يحصون، وكان يومًا مشهوداً)، قلت: فلا عجب من اهتمامه ببدعة قواعد التجويد.
4) وفي مؤلف ابن الجزري عفا الله عنه : (مناقب الأسد الغالب ممزّق الكتائب ومظهر العجائب ليث بن غالب أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب) (ص11)، وصف أحاديثه بأنها (مسندة مما تواتر وصحَّ وحَسُن)، وقال: (أوردتها بمسلسلات من حديثه، وبمتّصلات من روايته وتحديثه، وبأعلى إسناد صحيح إليه من القرآن والصحبة والخرقة، التي اعتمد فيها أهل الرّواية عليه). والحقيقة أنّه خلط الصحيح والحسن بالموضوع والضعيف والمنكر تجاوز الله عنه.
5) وفي المؤلف نفسه (ص84) فصّل ما أوجزه عن خرافة (لبس الخرقة) فقال: (وأما لبس الخرقة واتصالها بأمير المؤمنين عليّ [رضي الله عنه] فإني لبستها من جماعة ووصلت إليّ منه من طرق).
ثم ذكر تسلسل الطرق التي ألبسته الخرقة الصّوفية وأنّ مصدرها: (ثلاثة طرق: أحمديّة، وقادريّة، وسهرورديّة)، ثم ذكر التفاصيل (ص85).
ونقل المعلّق على الكتاب قول ابن الصلاح عن لبس الخرقة أنه باطل، ولم يرد في خبر صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ألبس الخرقة على الصّورة المتعارفة بين الصّوفية لأحد من أصحابه، ولا أمر أحدًا من أصحابه بفعل ذلك، وكل ما يروى في ذلك فباطل). وقس على ذلك دعوى تواتر التجويد بلا سند صحيح ولا ضعيف.
ولم يحوجنا الله إلى هذه التخرّصات، فقد حفظ الله كتابه بما سمّي الرسم العثماني، وأقرّه الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولم يتغيّر ـ بفضل الله ـ إلى يومنا هذا, إلا ما أضافه الاستحسان من النّقط، ثم الشكل، وأقلّ فائدة منه: التّحزيب والتجزيء، وإشارات ما سمِّي ابتداعاً: أحكام التجويد.
6) وقال ابن الجزري في كتابه: (غاية النّهاية في طبقات القرّاء) في ترجمته لعبد الله بن المبارك رحمه الله: (وقبره بهيت: معروفٌ يزار، زرتُه وتبركتُ به) اهـ. وانظر حاشية ابن عابدين (2 / 192)، إن شئت.
7) ونقل ملا علي القاري في شرح (مشكاة المصابيح) عن ابن الجزري تجاوز الله عنهما قوله: (إني زرت قبر [الإمام مسلم رحمه الله] وقرأت بعض صحيحه عند قبره على سبيل التّيمّن والتّبرّك، ورأيت آثار البركة ورجاء الإجابة في تربته (أي: الوثن المبنيّ باسمه).
ولا يليق بالمنتمي لمنهاج السّلف تقليد الصّوفية والقبورية والمخرّفين, بل ولا تقليد المتأخرين من أهل الحديث، فإن السلفي متّبع، لا مبتدع ولا مقلّد، إنما يرجع السلفي للدليل من الكتاب والسّنّة بفهم سلف الأمّة: الخلفاء الرّاشدون وبقية الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ثم التابعين لهم بإحسان في القرون الخيرة رحمهم الله وجمعنا بهم في الجنّة.
أما تفسير قول الله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:4]، بالتزام قواعد التجويد المحدثة، فهو مخالف لتفسير أئمة التفسير القدوة، فالترتيل في هذه الآية يعني: التّرسل في التلاوة كما في قوله تعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان:32]. وفقكم الله ووفقني للتي هي أقوم.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين تعاونًا على البرّ والتقوى.
مكة المكرمة – 1434/1/20هـ.