من سعد الحصين إلى عبد الله المطوع [1]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الله الشيخ/ عبد الله المطوّع وفقه الله لطاعته وبلّغه رضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فنهنئكم ببلوغ الشهر المبارك ونرجو الله لكم القبول والتوفيق للعمل الصالح والعتق من النار.
وأشكر لأخي الكبير اهتمامه بأخيه ودعوته للقائه في عمّان، وآسف أشد الأسف لأن محاولتي لتحقيق ذلك لم توفّق، وأرجو الله أن يجمعنا على طاعته وفي الآخرة في جنّته.
ولما لم يتحقّق لي لقاؤك والاستفادة من خبرتك في حقل الدّعوة إلى الله رأيت كتابة هذه الأسطر تحمل لكم سلامي واحترامي وتعرض بعض ما يشغل اهتمامي حاليّاً لعلّي أحظى منكم بالمشورة وسديد الرّأي.
أ – ميدان الدّعوة إلى الله في هذا البلد المبارك يتنافس فيه خمس فرق ليس فيهم من يحاول أن يستفيد من الآخر أو يحب له ما يحب لنفسه وفرقته، هدانا الله وإياهم طريق العدل والحقّ:
1) (السّلفيّون) (أهل الحديث)، وهم أكثر الفرق اهتماماً بتصحيح العقيدة والعبادة ونشر السّنّة وقمع البدعة، ومع أن هذا هو المنهج الذي اختاره الله لرسله والدّعاة إلى سبيله حتى ختمت الرّسالات والرّسل بنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم وأوجب الله على عباده الاقتداء به إلى يوم الدّين، فقد سرى إليهم النقص الذي لا يخلوا منه بشر في أسلوب التطبيق والنشاط الذي يتوفّر لأكثر الفرق الأخرى، وربما كان ذلك السبب الرّئيسي في كونهم من أقلّ الفرق عدداً وإن كان تأثيرهم واضحاً فيها وفي غيرها بفضل الله وتوفيقه.
2) (الصّوفيّة)، وهم أبعد الفرق عن العقيدة الصّحيحة والسّنّة وأجهلهم بشرع الله.
وكما تعلمون فإن التصوّف يتراوح بين الدّروشة والذّكر المبتدع، وبين الفكر الضّال المتأثّر بفلسفة الإغريق والهنود كما تجده في مؤلّفات ابن عربي مثلاً أو تلميذه المعاصر: محمود الغراب المقيم في دمشق، وجميع الفرق الصّوفيّة هنا أقرب إلى الصنف الأول، وكان تأثيرهم عظيماً ولكنّه آخذ في الانحسار بفضل الله ورحمته، وعددهم قليل.
3) (الإخوان المسلمون)، ويتبعون منهج الشيخ/ حسن البنّا رحمه الله الذي خطّه لهم في رسالة (التعاليم)، وهو منهج معتدل لا يعيبه إلاّ مهادنته للبدع الإضافية والتّركيّة والتّوسّل بحجة اختلاف العلماء فيها، وخطؤه رحمه الله في اعتقاد أن مذهب أهل السّنّة والجماعة التفويض في الصّفات، وكلمته المشهورة المتّبعة: (نتعاون فيما اتّفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه) التي ردّ عليها الشيخ ابن باز وعدد من العلماء ردّاً شافياً.
وعلى هذا المنهج عايش (الإخوان المسلمون) بقيّة الفرق وسالموها ما سالمتهم، واستفادوا من التّجمعات والهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرّسميّة حتى استغلّوا المناسبات البدعية (كالمولد والاسراء والمعراج)، والأحداث المهمّة في العالم العربي والإسلامي لصالح تجمّعهم، وهم من أكثر الفرق عدداً وأدقّها تنظيماً وأوفرها نشاطاً، ويتميّزون عن الفرق الأخرى بتجميع الأطفال والشباب على بدائل نتجت من حرصهم على (أسلمة) الثقافة الغربيّة: نادي كرة القدم الإسلامي، البنك الإسلامي، المستشفى الإسلامي، المدرسة الإسلاميّة، والمركز الإسلامي، وشعارهم تحكيم شرع الله وإن لم يحكّموه في منهاج دعوتهم، فقد حذف حسن البنا رحمه الله من تعاليمه العملية أي إشارة إلى إفراد الله بالدّعاء وغيره من أنواع العبادة، والتحذير بصرف شيء من من ذلك لغير الله في واجباته العملية(38) وأركان بيعته(10) ووصاياه للولاة(50) ومنجياته(10) ومهلكاته(10) وموبقاته(10) ووصاياه(10).
ويسرفون (هداهم الله) في المظاهر مع أنها تقوم على تبرّعات المحسنين فيتوّجون مراكزهم بالقبب والمآذن الباهضة التكاليف حتى قدّرت تكلفة المئذنة على مركز وادي الحجر بين ستين وخمسة وسبعين ألف دينار أردني بينما توجد قرى عديدة بلا مساجد.
4) جماعة التّبليغ، قد يكونون أكثر انتشاراً ونشاطاً وتضحيةً وخلقاً ومحاولة لتطبيق السّنّة العادية من بقية الفِرَق، ولكنه يغلب عليهم الجهل وتقليد مشايخهم في الفارة الهندية وهم أنصاف عوام ومتأثرون بالمنهج الصوفي المحيط بهم.
وجانبهم من الدّعوة إلى الله يقتصر على نقل المسلمين من بيئة الغفلة إلى بيئة ذكر الله، من المقهى والنّادي والشّارع إلى المسجد والموعظة والتّعوّد على الطّاعة والدّعوة إلى الله.
ولكنّهم للأسف لا يهتمّون بتصحيح العقيدة أو على الأقل تصحيح منهجهم وينفّرون من الانشغال بالعلم ويفرّقون بين وظيفة العالم والدّاعي إلى الله بوصم الأول بالكسل والثاني بالحركة في سبيل الله.
5) حزب التّحرير، ويتميّز بشعار تغيير نظام الحكم خطوة أولى لإصلاح المجتمع المسلم، وهو حزب سرّي لا يظهر له نشاط غير بعض المنشورات القليلة بين حين وآخر، وهو أقلّ الفرق عدداً وأضيقها رقعة، وصبغته السريّة تعوق البيان عنه بالتفصيل.
ب- وفي رأيي أن كلّ فرقة من هذه الفرق لا تخلو من الخير ولا تخلو من النقص، ولكن وجود هذه الفرق وغيرها في المجتمع المسلم أمر غير شرعي وخاصّة إذا تميّزت عن بقيّة المجتمع ببيعة دينيّة أو سياسية كما يتبيّن ذلك من فتوى اللجنة الدّائمة للفتوى وهي جزء من هيئة كبار العلماء في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والارشاد في الرياض رقم1647 في1397/10/7هـ، وكلّ الفرق التي ذكرتها ملتزمة ببيعة أو قسم على الطاعة في المنشط والمكره عدا جماعة التبليغ فليس كلّ أفرادها ملتزمون بالبيعة وعدا جماعة السّلفيين فهم الذين لا يتميّزون ببيعة ولا مركز ولا شعار خاص ولا أمير عام غير منهاج السّلف: الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ورأيي فيها أنه لا يجوز الانضمام إليها تميّزاً عن بقيّة المسلمين لأنها فرقت المسلمين وأورثت التعصّب والحقد بين المسلمين والموالاة في الجماعة والمعادات فيها والحب فيها والبغض فيها بدلاً من أن يكون كلّ ذلك في الله حقيقة، وانصرف أفراد كل فرقة إلى فكر مشايخهم ومؤلفاتهم وخطبهم ومناهجهم، ومن جانب آخر فإني أرى الاستفادة من نشاط كلّ فرقة بما فيه من خير ومجانبة ما فيه من شرّ: عقيدة السّلفيين وعلمهم، وخلق جماعة التبليغ وتغليبهم جانب الآخرة على الدّنيا، والبدائل الضّروريّة للثقافة الغربيّة في منهج الاخوان المسلمين، ولكن مع نبذ التّعصّب والتّحزّب والتنافس العددي وتزكية النفس، إلخ.
جـ- ومسألة أخيرة أردت الإشارة إليها لعلاقتكم بها: الإعلام الإسلامي وبالذّات الصّحافة (الإسلاميّة) فإن المجلات (الإسلامية) وهذه إحدى مشاكل الحرص على إيجاد البدائل تنهج منهج الاعلام العلماني في التشهير والمبالغة وعدم التثبّت في رواية الأخبار، وأبرز الأمثلة عندي على ذلك (وألصقها بكم) ما رسمته مجلة المجتمع (سدّد الله خطاها إلى الصواب) لسوريا أثناء محنتها الأخيرة، لقد انقطعت عن زيارة سوريا بضعة أشهر لما قرأته في (المجتمع) وما نقله عنها الكتاب والدّعاة (دون تثبّت) من عدد القتلى ومحو مدينة حماة من خارطة سوريا، ومنع الحجاب في الشوارع والالتحاء والدّروس في المساجد، واضطررت لزيارة سوريا فإذا الحجاب يميّز دمشق عن أكثر مدن المسلمين، وإذا بالالتحاء مسموح به في الجيش خلافاً لأكثر أنظمة البلاد الإسلاميّة، وإذا بمئات الأطفال والشباب في مراكز القرآن في المساجد، وإذا بمنهاج العقيدة في مدارس الحكومة الدّينيّة أفضل منه في جميع المدارس الدّينيّة خارجحدود السّعوديّة، وزرت حماة فإذا هي مدينة عظيمة لا يسهل محوها من الخارطة وأدخل بعض أحيائها السوداء من القدم وأصلّي في أحد مساجدها فلا أجد أثراً للدّمار أو التجديد بعد الدمار غير الجامع الكبير الذي أعيد بناؤه بسبب تضرره في المحنة كما قيل لي بسبب احتماء الثوار به.
وكانت نتيجة الرعب الذي أثارته بعض المجلات الاسلامية وبعض الدعاة (هدى الله الجميع للعدل والحق ولو على أنفسهم والإنصاف ولو لأعدائهم) أن هرب أكثر الشباب الصالح وانقطع التعاون بين المسلمين داخل سوريا وخارجها.
وليت هذه المجلات وهؤلاء الدّعاة مزجوا مبالغتهم بشيء من الحقيقة عن الوضع الديني للشعب السوري، عن التصوف والبدع والمساجد المبنيّة على القبور التي لا يجوز أن يصلّي المسلم فيها فرضاً ولا نفلاً تجنباً للعنة الله في الحديث الصّحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: :لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم [وصالحيهم] مساجد.
وهذه إحدى مشاكل التّحزّب والتّعصب والمنهج الخاص: توجيه المسلمين إلى أخطاء أعدائهم والسّكوت عن أخطائهم أنفسهم، إهمال العقيدة التي بعث بها كل نبي ورسول ومجدّد ومصلح: إفراد الله وحده بالعبادة، وصرف الدّعوة إلى تدريس التجويد وتعريف الناس بما عرفه كفار قريش وعرفه إبليس من ربوبية الله وعظمته، هذه بعض الخواطر التي رأيت من المناسب إبداءها لكم استجابة لرغبتكم ولو بطريق المراسلة وأنتم السابقون بالفضل.
جزاكم الله خير الجزاء، وأجزل لكم الثواب، وأحياكم حياة طيّبة وختم لكم بالجنّة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم263 في 1407/8/28هـ.