أمّيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم من دلائل نبوّته
أمّيّة النّبيّ صلى الله عليه وسلّم من دلائل نبوّته
بسم الله الرحمن الرحيم
أقام الله الحجّة على مشركي العرب المكذّبين بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم بدلائل كثيرة منها: ما يعرفه مشركوا قريش من حقيقة أمّيّته،
قال الله تعالى: {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون}، وكانوا يقولون: {افتراه} فحاجّهم الله بما يعلمون يقيناً أنّه أمِّيّ كأكثر قومه في زمنه، وأنّه لا يقرأ الكتاب ولا يخطّه بيده.
وقال الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}، ومعلوم يقيناً أنّ الله تعالى أمر جبريل عليه السّلام فنزل بالقرآن منجّماً (أي: مفرّقاً) على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان يحرص على سرعة حفظه أثناء نزوله فقال الله تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علماً} وقال الله تعالى: {لا تحرِّك به لسانك لتعجل به*إنّ علينا جمعه وقرآنه}، وكان صلى الله عليه وسلّم يستكتب عدداً من الصّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما أوحى الله إليه.
وثبت في الصّحيحين أنّه صلى الله عليه وسلّم قال: ” إنّا أُمَّة أُمِّيّة لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا“ وعدّ بأصابع يديه (29) ثم (30).
وفي الصّحيحين من خبر صلح الحديبية أنّ سهيل بن عمرو والذي وكل إليه مشركوا قريش عقد الصّلح مع النّبيّ صلى الله عليه وسلّم لم يرض بأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلّم عليّاً رضي الله عنه أن يكتب: ” هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله“، وقال: أكتب محمد بن عبد الله، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليّاً أن يمحاها فقال عليّ: لا والله لا أمحاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ” أرني مكانها“ فأراه مكانها فمحاها، وكتب ابن عبد الله. واللفظ لمسلم.
وللراغب في المزيد من أدلّة الوحي والفقه فيه النّظر في فتاوى ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله، وكتاب العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي: (الرّدّ الشافي الوافر على من نفى أمّيّة سيّد الأوائل والأواخر) رحمه الله، وهو أشملها.
وقد نسي أو جهل أحد المُحْدثين الذين منحهم الله من العاطفة الدّينيّة أكثر ممّا منحهم من العلم والعمل والاتّباع هذه الأدلّة من الكتاب والسّنّة وتعلّقوا بفهمهم الشّاذّ الخاطئ: وصف الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلّم بأنّه {النّبيّ الأمّيّ}؛ فاستدلّوا بتأويلهم قول الله تعالى تأويلاً مبتدعاً مخالفاً لما قدّمت من قول الله وقول رسوله ومخالفاً لفهم أئمّة التّأويل من الصّحابة والتّابعين لهذا الدّليل، وقد قال الله تعالى: {ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيراً}.
والمُحْدثون هداهم الله قالوا على الله وعلى رسوله بغير علم وشاقّوا الرّسول واتّبعوا غير سبيل المؤمنين وهم الصّحابة ومن تبعهم بإحسان (في القرون الخيِّرة بخاصّة) فتوهّموا أنّ معنى {الأمّيّ} من النّسبة إلى الأمّيّين العرب في الجاهليّة وما تلاها أو إلى: أمّ القرى مكّة المباركة، وبلغ الجهل والإسراف ببعضهم إلى دعوى أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب بسبعين لساناً توهّماً منهم أنّ وصف النّبيّ صلى الله عليه وسلّم بالأمّيّة إهانةٌ له؛ موافَقَةً للعُرْف الحديث، وأنّ الكذب عليه موافَقَةً لأهوائهم، ومخالَفَةَ اختيار الله تعالى له وقَدَرَه عليه وخَبَرَه عنه رفع لشأنه.
وأكثر هؤلاء الجهلة الذين يُظْهرون الحرص على الدّفاع عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى درجه انكار وصف خالقه ومرسله له لا يحرصون – بنفس الدّرجة أو أقلّ – على اتّباع سنّة النبيّ صلى الله عليه وسلّم ولا إنكار الابتداع في الدّين المصادم لسنّته من الشّرك الأكبر فما دونه بل يتعايشون مع هذا الظلم العظيم إن لم يقارفوه وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً؛ فهذه أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة تملأ بيوت الله في كلّ بلد مسلم – غير السّعوديّة وبعض دول الخليج – يُتَقَرَّب إلى الله بدعاء من سُمِّيَتْ باسمه زوراً من الأنبياء والأولياء ومن ليسوا بأنبياء ولا أولياء ولا من ذوي الألباب المعيشيّة بل المجاذيب، وُجِدت هذه الأوثان في بلاد الحرمين قبل أن يطهّرها الله بجيش الدّولة السّعوديّة وولاتها وعلمائها في القرن الثالث عشر والرابع عشر، وتوجد اليوم (ومنذ ألف سنة) في مصر والعراق وبلاد الشام والسّودان وبلاد المغرب وما عدا السّعوديّة من بلاد العرب والعجم المنتمين للإسلام والسّنّة فضلاً عن غيرهما. والله الموفّق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن بمكة المباركة – الأحد 1435/3/18هـ