مخالفة الأكثرين أقرب إلى الحق من موافقتهم [2]
مخالفة الأكثرين أقرب إلى الحق من موافقتهم [2]
بسم الله الرحمن الرحيم
8ـ وخالفتُ الأكثرين في كل ما أضيف إلى خطبة الجمعة من التزام السجع، وصرفها أو جزء منها إلى الأحداث والطوارئ، والاستدلال بالقصص التي لم ينزل بها الوحي، وبالشعر والأمثال مما لا يجوز الاستدلال به على الأحكام الشرعية وبخاصة في العبادة، وخطبة الجمعة عبادة فرضها الله على المسلمين لتعليمهم وتذكيرهم دينهم وإعدادهم إعدادًا صالحًا مشروعًا لليوم الآخر، ولا مصدر لذلك إلا الآية والحديث بفقه الصحابة وتابعيهم في القرون الخيرة، وقد أنسى الشيطان أكثرية الخطباء هذه الحقيقة الثابتة حتى في المساجد التي تُشد إليها الرحال وحتى العلماء منهم.
9ـ وسبقني أخي (وأحب أساتذتي إلي) إلى إنكار مبالغة المؤلفين في علوم الشريعة في المطالبة بالحقوق القانونية للتأليف في هذا القرن (وآخر الذي قبله) مع مخالفة ذلك للحكم بما أنزل الله، وموافقته للحكم بالقانون الأوروبي، وأول وخير من خالفته في هذا الأمر الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ وكنتُ في زيارة نادرة له في منزله مع أخي، فأهدى كلًا منا نسخة من مؤلفه: (مختصر أحكام الجنائز)، وفوجئت في أول صفحة بـ: (جميع الحقوق محفوظة للمؤلف)، وكنتُ معتادًا (في كل منشوراتنا) على بيان أن (حفظ حقوق التأليف والطبع قانون أوروبي، وعلوم الشريعة لا يجوز تحجيرها ولا احتكارها، ونشرها ابتغاء وجه الله عبادة صالحة)، ولو كان التحجير والاحتكار من عمل ناشر (غير المؤلف) ولصالحه لوجد له عذر بأنه تاجر وعمله دنيوي.
فسألتُ الشيخ عن دليله على جواز التحجير والاحتكار بالقانون البشري؟
ولا أتذكر الآن إلا أنه رد: بأن هذا ثمرة جهده وله حق التصرف فيه، ولما ذكرته بأنه بذل جهده ابتغاء وجه الله (فيما أحسبه والله حسيبه)، وانتهت علاقته بنشره، كمثل المسجد يبنيه المسلم فإذا تم بنيانه وصلى الناس فيه صار ما له فيه مثل ما لغيره؛ فقال: (لكل منا ما تولى) أو هذا ما فهمتُ منه.
وذُكِر لي أن الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ أعطى الشيخ محمد بن قاسم ـ رحمه الله ـ (500 نسخة) من مجموع فتاوى ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عن حقوق طبعه؛ فسألتُه عن دليل جواز ذلك؟ فقال: أعطيناه بأمر ولي الأمر، لا بالقانون.
والشيخ ابن باز والشيخ الألباني ـ رحمهما الله ـ أعدهما مجددين، لربطهما المسلمين بالدليل بعد قرون من التقليد وإهمال الدليل، وأتقرب إلى الله بالدعاء لهما كل ليلة مع المجددين: ابن تيمية وابن عبد الوهاب وتلاميذهما من آل سعود، أعلى الله درجاتهم في الفردوس من جنته مع بقية المجددين والشهداء والأولياء والدعاة إلى الله.
وقد كتبتُ مقالًا بعنوان: (حق المؤلف الشرعي أخروي لا دنيوي) في المجموع الثالث من مقالاتي نقلته ما عدى المقدمة والخاتمة من بحثٍ لأخي عن فِرية (الحقوق) وفِرية (الملكية الفكرية) يُبين أنها لم تُعرف في تاريخ الإسلام ولا الكفر قبل الثورة الفرنسية وصدور قانون بحماية المسرحيات والموسيقى والرقص، وأن الفكر لا يُملك في شرع الله، وأن المؤلف عالة على من قبله منذ علموه حروف اللغة، وأن الفضل للأمة عليه (بعد الله) في كل علمه وعمله وأدواته ونشره، وأن العلم والعمل الشرعي لا خير فيه إذا لم يكن خالصًا لله، وبين أن الحماية أجنبية عن العقل أيضًا، فلولا رغبة المؤلف في انتشار مؤلفه لما ألفه، والتحجير والاحتكار يمنع أو يقلل الانتشار، ولا يحقق أو يُرضي إلا شح النفس والجشع: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
10ـ وخالفتُ الأكثرين بالتركيز في الدعوة إلى الله على ما قضاه الله وشرعه لكل رسله: الأمر الجازم بإفراد الله بالعبادة، وإنكار صرف شيء منها لغير الله، والأمر بالتزام السنة، والنهي عن الابتداع في الدين، والالتزام بمنهاج النبوة في الدعوة إلى الله والتحذير من المناهج المحدثة، بينما ينشغل الحزبيون والحركيون ويشغلون الناس بما سموه الحاكمية وبما افتروه باسم شرك القصور، وبالصغائر عن الكبائر والموبقات، وينشغل أكثر السلفيين ـ وهم الفِرقة الناجية ـ بتوحيد الصفات، وبسنن الهيئات عما ميزهم الله به من تصحيح العبادة والمنهاج، واليوم بالتهارش بينهم. ولم أشغل نفسي بسياسة الحكم والمال في لفظ سيد قطب، ولا بعزل مصلى المرأة عن مصلى الرجال، ولا بتحفيظ القرآن وتجويده؛ وإن الأكثرين لمنصرفون إليه عن الأهم منه، بمن فيهم من الصوفية والقبورية والشيعة وجميع المبتدعة، ولم أشغل نفسي وغيري بمسائل المعاملات عن أركان الإسلام والإيمان، كما يصر الحزبيون والحركيون الخوارج عن الأمة والأئمة والسنة والجماعة.
11ـ وخالفتُ الأكثرين بعدم المشاركة في فتنة المظاهرات والثورات بقول ولا عمل؛ ولكني بينتُ ما أعلمه من شرع الله بتحريم الخروج على ولي الأمر، ولو تحققت الدعاوى بظلمه وجوره وأثَرَته، ما أقام الصلاة في رعيته، وكل ولاة أمر المسلمين يقيمون الصلاة في رعاياهم، بتعيين الأئمة والمؤذنين والخدم، وبإمداد المساجد بالماء والكهرباء، ويصلون معهم أحيانًا؛ وما لم يَرَ أهل الحل والعقد (لا الغوغاء) كفرًا بواحًا بدليل الوحي الصريح الصحيح، فيقوم أهل الحل والعقد العقلاء (لا الغوغاء) بتغيير المنكر وفق الشرع والمصلحة.
ولا أعجب من سعي الأمم المتحدة ومن تحرص على إرضائه من اليهود والنصارى لتأجيج الفتن بانحيازها للخوارج في كل حال! ولكني أعجب من أكثر المسلمين الذين ينكرون على الولاة قتل الخوارج، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم؛ فاقتلوه“. رواه مسلم.
12ـ وقد خالفتُ الأكثرين بالأمر بطاعة الولاة في المعروف، طاعة لله ولرسوله، والدعاء لهم بالهداية والتوفيق والتسديد، ولو دعا عليهم الأكثرون في الخطبة والقنوت؛ وأكثر الولاة (بفضل الله) خير من أكثر الرعايا دينًا ودنيا لمن تحرى تركيز نظره على الخير لا على الشر، وفي كلٍ خير وشر (ومن رضي فله الرضا).
أما الولاة من آل سعود في القرون الأربعة الأخيرة فقد ميّزهم الله على كل الولاة منذ نهاية القرون الثلاثة الأول إذ جدد الله بهم دينه في جزيرة العرب المباركة ثلاث مرات، فطهرها بهم من الشرك فما دونه من البدع في الاعتقاد والعبادة، ولا يزالون (وحدهم) يحمونها من أوثان المقامات والأضرحة، ومن زوايا التصوف وسائر البدع الضالة المضلة (وشرها تعدد الفرق والأحزاب الدينية والدنيوية) ولو كره المفتونون.
واقرأ ـ إن شئت ـ ما كتب ألدُّ أعدائها في الدين والدنيا من الحزبيّين روايته عن مثله من مواطنيها الجاحدين فضل الله بها، وكلاهما من حزب الشر والفتنة الإخواني عن سجنها: (كان سجنًا ولكنه خلا من إرادة التنكيل… استمرت رواتب السجناء جارية على ذويهم، وتمتعوا بالخلوة الشرعية (مع زوجاتهم) مرة كل أسبوع… نعم؛ هو سجن بلا حقد ولا رغبة في الانتقام… وأطلِق سراحهم بمجرد قبولهم صياغة أفكارهم بهدف الاصلاح لا الفتنة) موقع راشد الغنوشي على الانترنت؛ كفى الله الإسلام و المسلمين شره.
13ـ وخالفتُ الأكثرين فيما سموه: الغزو الفكري أي: القادم من أوروبا وأمريكا بخاصة، وهذا الاصطلاح في رأيي يحجب أسوأ ما في الأمر؛ فهذا الفكر هو المغزو من المستهلكين في كل مكان في العالم (ومنه العربي والمسلم)، لم يخدهم به أحد، ولم يلزمهم به أحد ولم يحببه إليهم ولم يُهد إليهم جهاز تلفزيون واحد ولا راديو، ولا فلم سينمائي ولا جهاز عرضه، ولا هاتف ولا كمبيوتر، بل ولا جريدة ولا كتاب، نحن الذين دفعنا الثمن وبذلنا الجهد، وصرفنا الوقت للتعرف على هذا الفكر ثم الاعجاب به وبالثقافة والحضارة التي انتجته ثم الالتزام بها وتقليدها بمبالغة وسفاهة أسوأ من الأصل، بل وصفناها ـ زورًا ـ بالإسلامية، كان الشريط ثم الفيدو ثم الدش والفضائية ثم الانترنت ينهى عنها أكثر مما ينهى عن الشرك الأكبر بالله في عبادته، ثم اكتشف الحركيون بمكرهم عند حاجتهم إليها أنها إسلامية فأضافوها إلى وسائلهم، بل حبائلهم لصيد شباب المسلمين وتحويلهم عن منهاج النبوة (الفطرة)، إلى منهاج المودودي وسيد قطب ومحمد سرور وابن لادن وأذنابهم، تجاوز الله عن أمواتهم وهدى أحياءهم، وكفى الإسلام والمسلمين شر أمواتهم وأحيائهم.
وهذه إحدى نتائج ضلال، وبالتالي تضليل الحزب الإخواني للناس وتوجيههم إلى البحث عن أخطاء من لا يستطيعون إصلاح خطئه بعيدًا عن أنفسهم الأمارة بالسوء والشيطان الذي يجري منهم مجرى الدم، وهما أكبر عدو حذرهم الله ورسوله منه وبين لهم سبيل الخلاص من شره، فنبذوا أمر الله ورسوله، والتزموا فكر الخميني (أمريكا الشيطان الأكبر).
وصدق عليهم الخميني ظنه فاتبعوه، حتى صارت الشكوى من أمريكا (وإسرائيل) للحزبيين والحركيين والمخدوعين بضلالهم وزيفهم الفكري، وزخرف دعايتهم، مثل جدار المبكي عند اليهود، أو كرسي الاعتراف عند النصارى (في الكنيسة الرُومن كاثوليكية والكنيسة الشرقية بخاصة) رمزًا أو بديلًا أو حائلًا بينهم وبين الله وذكره ودعائه وتدبر آياته وتحكيم شرعه، كما حال منهاج حسن البنا وسيد قطب ـ تجاوز الله عنهما ـ بينهم وبين الالتزام بمنهاج النبوة بفهم وعمل الصحابة وتابعيهم في القرون الخيرة ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ.
وأنَّى لمسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى يقرع سمعه (وبصره وعقله آناء الليل وأطراف النهار في المدرسة والمسجد والمنزل مما (اغتصبه الحزب) أن كل مصيبة تقع في الكون فهو بتخطيط وتنفيذ أمريكا وإسرائيل؛ أنى له أن يؤمن أو يتذكر قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، ومثلها كثير، وقد حُفظها بدون فهم وفق منهج الحزب، وخلاف منهج الصحابة.
14ـ وعلى هذا خالفتُ الأكثرين بالدعاء لإخواننا بالهداية أكثر، وقبل الدعاء لهم بالنصر فضلًا عن فِرية (إنهم عراة فاكسهم، حفاة فاحملهم…) الخطأ الذي يردده الأئمة والخطباء في كل مناسبة بلا وعي ولا ورع.
ومرة انتهرني أحد القائمين على التوعية الإسلامية لتذكيري الناس أن الهداية مقدمة على النصر وهي طريقه! والمدعو لهم يلعنون الربَّ والدين (كثير منهم) ولم يتهم يهودي ولا نصراني ولا ملحد بذلك في منطقتهم، وأن جُل أوثان المقامات والأضرحة فيها للمنتمين للإسلام والسنة، وفي (الحرم الإبراهيمي الشريف! زعموا وكذبوا) أربعة قبور لليهود والنصارى، وسبعة أوثان بناها المسلمون بأيديهم. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1433/03/24هـ