الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم ومسلمة لا على الولاة وحدهم
الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم ومسلمة لا على الولاة وحدهم
بسم الله الرحمن الرحيم
أكثر الحركات والأحزاب الموصوفة بـ(إسلامية) في هذا الجيل اتخذت كلمة (الحكم بما أنزل الله) شعاراً لها، ونعم الشعار القولي إذا وافقه العمل، فهو بعمومه أصل أصول الدين والغاية التي خلق الله لها الثقلين، وأعظمه: الاعتقاد بوحدانية الله في استحقاق العبادة وفق وحي الله تعالى إلى رسله في الكتاب والسنة.
قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه الصلاة والسلام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون} [يوسف:67]، وقال الله تعالى على لسان يوسف عليه الصلاة والسلام: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:40]، وقال الله تعالى لخاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [المائدة: 48]، وقال ابن كثير في تفسيره ج2،ص75: (أي: فاحكم يا محمد بين الناس عربهم وعجمهم، أميهم وكتابيهم، بما أنزل الله إليك في هذا الكتاب العظيم .. {ولا تتبع أهواءهم} أي: آراءهم التي اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله).
ولكن الحركيين والحزبيين باتباعهم رأيهم وفكرهم الموصوف بالإسلامي ضيقوا المعنى الواسع الشامل للحكم بما أنزل الله، فقصروه على فقه المعاملات، وخصوا به الحكام، تبعاً لفكر الأستاذ/ سيد قطب ـ رحمه الله ـ الذي ظن أن (أخص الخصائص الألوهية هي الربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية) [في ظلال القرآن ج4، ص1852]، وقد أتي المفكر والمقلد من قبل جهلهم بالمعنى اللغوي والشرعي للكلمة الطيبة: «لا إله إلا الله»، وبالتالي: خلطهم بين معنى الألوهية ومعنى الربوبية في الاعتقاد والعمل تجاوز الله عنا وعنهم.
وكما خرجوا عن منهاج الحكم بما أنزل الله في أمر التوحيد؛ خرجوا عن منهاجه في أمر الشرك فوسعوه تبعاً لسيد ـ رحمه الله ـ ليشمل أموراً ليست من الشرك في شيء: السياسة والتقاليد والعادات والأزياء التي ظن سيد ـ رحمه الله ـ أن اتباع البشر فيها: (مزاولة للشرك في أخص حقيقتها.. ولو توجه العبد إلى الله في ألوهيته وحده، ودان لشرع الله في الوضوء والصلاة والصوم وسائر الشعائر) [التفصيل ج2، ص2114، في ظلال القرآن].
وكعادة البدع أنسى التوحيد والشرك (الحديث) أكثر شباب الأمة التوحيد الذي جاء به كل رسل الله: إفراد الله بالعبادة، والشرك الذي نهى عنه كل رسل الله: تعظيم المقامات والمزارات والأنصاب التي تتخذ مساجد قديماً وحديثاً.
والحق الذي هدى إليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أن الحكم بما أنزل الله شامل لكل ما أوحى الله إلى عبده ورسوله ليبينه للناس وليحكم به بينهم أولاً وقبل كل شيء في الاعتقاد، ثم في العبادات، ثم في المعاملات، لا العكس كما وهِم منتجو الفكر الإسلامي ومستهلكوه.
والحق الذي هدى إليه كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أن أوامر الله تعالى تتفاوت بين فرض العين وفرض الكفاية والنافلة، وأن نواهيه تعالى تتفاوت بين الكبيرة الموبقة ـ وأعظمها الشرك بالله في عبادته باتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد يدعون فيها مع الله تقرباً إليه واستشفاعاً بهم إليه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وبين الصغيرة من اللمم، وأن من الحكم بغير ما أنزل الله المساواة بين الفرض والنافلة في الأمر، وبين الكبيرة والصغيرة في النهي، بل إن من الحكم بغير ما أنزل الله تفريق الأمة في الدين أحزاباً وجماعات على مناهج في الدين أو الدعوة تخالف منهاج النبوة الذي شرعه الله لجميع من أرسلهم إليهم، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]، وهو ما يقع فيه الحركيون والحزبيون هدانا الله وإياهم لأقرب من هذا رشداً.
وصلى الله على عبد الله ورسوله وعلى من اتبع سنته.