بحث حقيقة تجديد الدّين في القرن الثاني عشر 

بحث حقيقة تجديد الدّين في القرن الثاني عشر 

بسم الله الرحمن الرحيم

استجابة لطلب من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة كتبت بحثاً عن دعوة الشيخ المجدّد محمد عبد الوهاب رحمه الله ومن أعانه وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وهذا موجزه:

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

أ) منهاجه:

الدعوة التي جدّد بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب دين الإسلام (بمؤازرة الأئمة من آل سعود) هي عين الدعوة إلى الله على بصيرة التي بعث الله بها جميع رسله وأنزل بها جميع كتبه وخلق لأجلها الجن والإنس: إفراد الله بالعبادة ونفيها عمّن سواه. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} وقال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

فلقد تتبع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بتوفيق من الله خُطا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي خطاها (بوحي من الله) لتبليغ رسالة الله وإخراج الناس بإذن ربهم من ظلمات الشرك والجهل والابتداع إلى نور الإيمان والعلم والاتباع فقد بذل أكبر جهده وألّف أكثر كتبه ورسائله لبيان حقيقة التوحيد والشرك، ووحدة الرسالات والرّسل في الدّعوة (أولاً وقبل كل شيء) إلى إخلاص العبادة (ومنها الدّعاء والركوع والاستغاثة والاستعانة والذّبح والنّذر) لله وحده، وألا يُصْرَف منها شيء لغيره ولو كان مَلَكاً مقرّباً أو نبيّاً مرسلاً قال الله تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} وقال الله تعالى: {إياك نعبد وإيّاك نستعين} وقال الله تعالى: {إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له}، وأن الشرك الذي أرسل الله أول رسله نوحاً عليه السلام لتحذير قومه منه؛ هو عينه ما أرسل الله آخر رسله محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحاربته والقضاء عليه وتحذير أمته من العودة إليه، وأن أهم أسبابه وأبوابه وذرائعه في كلِّ عصر: الغلّو في محبة الأنبياء الصالحين والتقرب إلى الله بالدعاء  والنّذر والاستغاثة بهم والذّبح على أنصاب قبورهم ومقاماتهم ومزاراتهم، فقد أورد البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى عن قوم نوح: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} قال: (أسماء رجال الصالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسمّوها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبِدَت). وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن غلّو النّصارى في الصّالحين: ” أولئك إذا كان فيهم الرجل الصّالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوّروا تلك الصّور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة متفق عليه. وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن غلّو اليهود والنصارى في أنبيائهم: ” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد متفق عليه. وقال الله عن غلّو المشركين الأوائل في الأولياء تقرباً إليه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} . وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ” الدّعاء هو العبادة رواه أحمد وغيره.

وبيّن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن المشركين الأوائل كانوا يؤمنون بوحدانية الله في الخلق والرّزق والملك والإحياء والإماتة والتدبير، ويخلصون لله الدّين في الشدّة، ولكنهم في الرخاء يشركون مع الله أولياء من الصَّالحين ليشفعوا لهم عند الله. قال الله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ}، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}، {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}، هذا الأمر العظيم هو خلاصة كتبه الأولى: كتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والقواعد الأربع، ومسائل الجاهلية، والأصول الثلاثة وأمثالها؛ مؤلفات قليلة الأوراق كثيرة الفائدة؛ كنوز من كنوز الاسلام والإيمان والتوحيد.

ب) اعتقاده:

عرّف محمد بن عبد الوهاب بمعتقده في رسالته لأهل القصيم، وفيها: (أُشهد الله ومن حضرني من الملائكة وأُشهدكم أني اعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشرّه، والإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، من غير تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل، بل أعتقد أن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه، ولا أحرّف الكَلِم عن مواضعه، ولا أُلحِد في أسمائه وآياته، ولا أكيِّف ولا أُمَثِّل صفاته تعالى بصفات خلقه، لأنه تعالى لا كفؤ له ولا ندّ، ولا يقاس بخلقه، وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلاً وأحسن حديثا.

وأعتقد أن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلّم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبيّنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وأومن بشفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنه أوّل شافع وأوّل مشفَّع، ولا ينكر شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أهل الضّلال والبدع، ولكنها لا تكون إلا من بعد إذن الله ورضاه؛ قال الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}، وقال الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعاً} وقال الله تعالى: {سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم}.

وأومن بأنَّ الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان، وأنهما لا تفنيان، وأنّ المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته.

وأومن بأن نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين والمرسلين، وأن أفضل أمته أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل الشجرة أهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة رضي الله عنهم. وأتولى أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأذكر محاسنهم وأترضّى عنهم وأستغفر لهم وأكفّ عن مساويهم وأسكت عمّا شجر بينهم، وأترضّى عن أمّهات المؤمنين المطهّرات من كلّ سوء، وأقرّ بكرامات الأولياء، لكنهم لا يستحقون من حقّ الله تعالى شيئاً.

ولا أشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكنّي أرجوا للمحسن، وأخاف على المسيئ. ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام.

وأرى الجهاد ماضياً مع كلّ إمام برّاً كان أو فاجراً. وأرى وجوب السّمع والطاعة لأئمة المسلمين بَرِّهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحرم الخروج عليه.

وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم لهم بالإسلام وأَكِلُ سرائرهم إلى الله، وأعتقد أن ” كلّ محدثه بدعة وكلّ بدعة ضلالة.

وأعتقد أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة).

جـ) مذهبه:

مذهب محمد بن الوهاب في أحكام الشريعة هو مجملُ مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو المذهب السائد في المنطقة من قبله ومِنْ بعده، وقد زاده انتشاراً ظهور الدّعوة التجديدية وتوحيد معظم جزيرة العرب عليه عقيدة وعبادة ومعاملة.

يقول رحمه الله: (ونحن على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ولا ننكر على من قلّد أحد الأربعة دون الغير لعدم ضبط مذاهب الغير). صيانة الإنسان للسّهسواني ص 474 عن رسالة لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله.

ويقول رحمه الله: (ولا نستحق الاجتهاد المطلق ولا أحَدَ لدينا يدّعيه، إلا أننا في بعض المسائل إذا صحّ لنا نصَ جليّ من كتاب أو سُنة غير منسوخ ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذناه وتركنا المذهب)، المصدر نفسه ص474.

وقوله عن اتباعه مذهب الإمام أحمد عامة، ومفارقته إذا ظهر دليل مخالف هو واقع دعوة التوحيد ودولة التوحيد في جزيرة العرب منذ أظهرهما الله على أعدائهما ووحدّ بهما أمة الإسلام في جزيرة العرب حتى اليوم في مناهج التعليم في المدارس والمعاهد وفي الأحكام الشرعية في المحاكم. وبهذا تميّزت الدّعوة والدّولة منذ أكثر من 270سنة على العالم المسلم بأمرين (من بين ما ميّزهما الله به في الدين والدّنيا):

1- الجمع بين العقيدة وبين أحكام الشريعة في كل العبادات وجلّ المعاملات على مذهب واحد فيما عاضده الدليل من كتاب الله والثابت من سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وقد ابتدع الناس منذ ابتلوا بالحكم الفاطمي الفصل بين العقيدة والشريعة. وكثير من المؤلفين في العهود المظلمة ينسبون أنفسهم في العقيدة إلى الأشاعرة والماتوريدية ـ مثلاً ـ بينما هم ينسبون أنفسهم في العبادات والمعاملات إلى الأحناف، ويزيدون الأمر سوءاً بالانتساب في الطريقة إلى إحدى طرق التصوف المنحرف.

2- الثبات على الحكم بشريعة الله في العبادات وجلّ المعاملات على (ما لم يخالف الدّليل من) مذهب إمام السنة.

د) مؤلفاته:

يَعُدُّ المؤرخون (28) مؤلَّفاً إضافة إلى (51) رسالة خاصة أو عامة في بيان منهاج دعوته، وقد اهتمت جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض بجمعها وإعادة طبعها.. وأكثر مؤلفاته قليلة الأوراق وأكثرها يُغَلِّبُ الاهتمام بالدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك وذرائعه، والأمر بالسّنة والنّهي عن البدعة. ولمؤلفاته ميزات لا تكاد تجتمع في المؤلفات الدينية والفقه في الدّين بعد القرون المفضّلة:

1- الجمع بين بيان التوحيد وما يضاده من الشرك والكفر.

2- البيان بأسهل الأساليب وأقرب الكلمات والجُمَل لفهم عامة المسلمين.

3- تأييد كل قول يورده بالأدلة من الكتاب والسنة.

4- تجنَّب الجدل الفكري البشري والاكتفاء بالمجادلة بالقرآن وبالسنة من قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعله وتقريره بفهم أئمّة الفقه في القرون الخيّرة.

وأهم مؤلفاته:

1- كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد: بيّن فيه بالدليل من الكتاب وصحيح السنة حقيقة توحيد الرّبوبيّة والعبودية والأسماء والصفات، وأن توحيد العبودية هو الفاصل بين الإسلام والكفر وأنه أصل رسالة الله إلى خلقه في كلّ زمان ومكان، وأن التوحيد لا يتحقق إلا بنبذ الشرك وذرائعه، وبين فيه الشرك بأنواعه: الأكبر الذي يخرج من الملّة، مثل إشراك غير الله (من الملائكة أو النبيّين أو الصالحين أو الأشجار أو الأحجار) مع الله فيما لا يصلح إلا لله من العبادة، ومنها الدّعاء والذبح والنّذر، والاستعانة والاستغاثة بغير الأحياء أو بالأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله. والأصغر (اللفظي غالباً): مثل الحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت. والخفي: هو الرّياء. وبين ذرائعه الشرك: مثل التّوسّل إلى الله بأصحاب القبور، والتبرك بمقاماتهم وأنصابهم، وشدّ الرّحال إلى أضرحتهم ومزاراتهم، وتحري الصّلاة والدّعاء عندها. وبين متعلقات الشرك من السحر، والرّقى غير المشروعة، والتّمائم، والطّيرة، ولبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه، والتنجيم، والاستسقاء بالأنواء. ويختم كل باب من أبواب كتاب التوحيد بعشرات المسائل المستنبطة من أدلة الوحيين الواردة فيه.

2- القواعد الأربع، وهي:

ـ أن كفار قريش ومن قبلهم كانوا مقرّين لله وحده بربوبيته على عباده فلم يُدخلهم ذلك في الإسلام.

ـ وأن أكبر شرك الأوّلين وأوسعه انتشاراً: دعاء الأموات ممن يُظَنّ بهم الولاية لله تقرّباً بهم إليه واستشفاعاً بهم عنده.

ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاتل المشركين الذين يدعون الملائكة والنبيين والصالحين والأشجار والأحجار والشمس والقمر ولم يفرّق بينهم.

ـ أن شرك المتأخرين أغلظ من شرك الأوّلين، فإن الأوّلين يخلصون لله الدّين في الشدّة ويشركون أولياءهم معه في الرّخاء، أما المتأخرين فمشركوهم مقيمون على شركهم في الرّخاء والشدّة.

3- الأصول الثلاثة، وهي:

ـ معرفة الله سبحانه وتعالى بآياته ومخلوقاته واستحقاقه لجميع أنواع العبادة.

ـ معرفة دين الإسلام بالأدلة من الكتاب والسنة، ومراتبه وهي: الإسلام والإيمان والإحسان.

ـ معرفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ حياته وبعثته وهجرته ومماته، وبقاء دينه إلى يوم القيامة، ولا خير إلا دلّ الأمة عليه؛ وأعظمه التوحيد، ولا شر إلا حذّرها منه؛ وأعظمه الشرك. وختم الله به رسالاته إلى خلقه.

4- كشف الشبهات: بَيّن فيه وجوب ردّ ما اختُلف فيه من الدّين إلى الله ورسوله، واعتماد الوحي في الكتاب والسنة سلاحاً لردّ شبهات الضّلال. وَرَدٌّ على من زعم أنّ الدعاء ليس هو العبادة، وبين الفرق بين طلب الشفاعة الشرعي والشركي، وأثبت أن الالتجاء إلى قبور الصالحين شرك. وكشف شبهة من زعم أنّ من أدّى بعض واجبات الدّين لا يكون كافراً ولو قال أو فعل ما يكفر ولو أقيمت عليه الحجة، وبيّن الفرق بين الاستعانة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه، وبين الاستعانة بالميت أو الغائب، أو الاستعانة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق. كلّ ذلك بالآيات من كتاب الله والأحاديث الصحيحة من سنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

5- مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل الجاهلية: ذكر فيها المعتقدات والعبادات والعادات التي أرسل الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبيان فسادها، ليتبين المسلم حبائل الشيطان حتى لا يقع في معصية الله وهو يَحْسَبُها قُربة إليه، كما ورد عن عمر رضي الله عنه: (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة حين ينشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية). وقد ألف علامة العراق محمود شكري الألوسي شرحاً لمائة مسألة منها.

6- فضل الإسلام: عن شروط الإسلام ومفاسد الشرك والبدع.

7- الكبائر: عن أنواع الكبائر وأن أعظمها الشرك بالله في عبادته.

8- ستة مواضع من السّيرة: يركز على ما صحّ من سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نزول الوحي ونشر التوحيد ومحاربة الشرك وأهله والهجرة وردّة من ارتدّ بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحاربة الصحابة للمرتدين وبخاصة مانعي الزكاة، ومختصر لسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

9- وفي التفسير: تفسير الفاتحة، وتفسير لبعض سور القرآن الكريم.

10- وفي فقه العبادات والمعاملات: آداب المشي إلى الصلاة، وشروط الصلاة وأركانها، ومختصر الانصاف، ومختصر الشرح الكبير، ومختصر زاد المعاد.

11- وفي الحديث: مجموع الحديث على أبواب الفقه، ومختصر فتح الباري، ومختصر صحيح البخاري، وأحاديث الفتن.

12- وفي الإيمان عامة: مختصر الإيمان، ومختصر الصواعق المرسلة، ومختصر العقل والنقل، ومختصر المنهاج، وغيرها. (عن كتاب محمد بن عبد الوهاب لمسعود الندوي، ترجمة عبد العليم البستوي ص135-144).

هـ) مشايخه: أخذ العلم عن عدد من علماء عصره يصعب حصرهم، وأبرزهم اثنان من علماء المسجد النبوي؛ استفاد منهما همّة الإصلاح (بالدعوة إلى التوحيد الخالص والتزام عمود الكتاب والسنة، ورفض التفرّق في العقيدة، وإبطال البدع والمحدثات التي تلصق بالإسلام فتُشوِّه محاسنه وتبطل قوته، والإسلام منها بريء ولها مُنْكِر).

1- عبد الله بن إبراهيم بن سيف الذي أرشده إلى مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من علماء الشام، وبذلك فتح له الطريق إلى باب المعارف، وقاده إلى النّهل والعّل من أصفى ينابيع العلوم الشرعية بعد الكتاب والسنة وفقه أئمة الدين في القرون الثلاثة المفضلة، ووصل أفقه بأفق الإصلاح الذي ينشده وسدّده على النهج المستقيم الذي رضيه الله لرسله.

2- محمد حياة السّندي الذي بصّره بالاستقلال في الفهم عن منهاج التّقليد والتعصّب لمذهب أو مدرسة فقهيّة معيّنة، وأرشده إلى الدوران مع الحق حيث كان، استدلالاً بالأدلة القواطع من صحيح النقل واستئناساً بفقه الأئمة الأُول في العلم والدين. (داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث للأثري) ص26-28 .

و) مؤلفات وآراء أهل السنة المعاصرين فيه:

1- أحمد بن حجر آل بوطامى قاضي المحكمة الشرعية بقطر في كتابه (الشيخ محمد ابن عبد الوهاب، عقيدته السّلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه). تميّز بالشمول في عرضه لحياة محمد بن عبد الوهاب ودعوته وعقيدته ومنهاجه وافتراء المبتدعة عليه وردّه هذا الإفتراء في كتبه ورسائله، وأوجه التّشابه بين دعوته ودعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي قدوته ومرجعه، وذكر معارضيه وشبههم، وذكر مؤيديه من مختلف الأقطار والاتجاهات الدّينية والتّاريخية والأدبية والتراثيّة، عرباً وعجماً.

2- علامة العراق محمود شكري الآلوسي (ت 1342)؛ يقول في مقدمة شرحه لمسائل الجاهلية: (وقفت على رسالة صغيرة الحجم كثيرة الفوائد تَشتمل على نحو مائة مسألة من المسائل التي خالف فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل الجاهلية من الأميين والكتابيين، وهي أمور ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان ولا أخذت عن نبيٍّ من النبيين، ألّفها الإمام محي السُّنة ومجدد الشريعة النبوية، أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب النّجدي الحنبلي، تغمّده الله في رحمته) ص7.

3- علامة العراق محمد بهجت الأثري في كتابه، (محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث): (واقع التاريخ يقرّر في صراحةٍ ووضوح بيان أنه الرجل الذي أيقظ العملاق العربي المسلم من سباتٍ في جزيرة العرب دام دهراً داهراً، وأشعره وجوده الحيّ الفاعل، وأعادَ إليه دينه الصحيح ودولته العزيزة المؤمنة، ودفعه إلى الحياة الفاعلة ليعيد سيرة الصّدر الأوّل عزائم وعظائم وفتوحاً، ويقرّر غير مُنازَع أنّه رجل التوحيد والوحدة والثائر الأكبر الذي رفض التفرَّق في الدّين رفضاً حاسماً فلم يكن من جنس من يأتون بالدّعوات ليضيفوا إلى أرقام المذاهب والطرائق المزَق رقماً جديداً يزيد العدد ويكثره، ولكنه أوجب إلغاء هذه الأرقام، ودعا لتحقيق الرّقم الفرد وحده؛ الرقم الذي لا يقبل التجزئة كالجوهر الفرد، ألا وهو الإسلام) ص12. وهو أوجز وأجمل ما كتب عنه.

4- علامة الشام ومصر محمد رشيد رضا (ت 1354) في تعريفه بكتاب صيانة الإنسان للسّهسواني: (لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربّانيين يجدّدون لهذه الأمة أمر دينها بالدّعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، كما ورد في الأحاديث. ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجدّدين، قام يدعوا إلى تجريد التّوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسول خاتم النبيين ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة، فنهدت لمناهضته القوى الثلاث: قوة الدّولة والحكام، وقوة أنصارها من علماء الضّلال، وقوة العوام الطّغام) ص 6 و7.

5- الدكتور محمد خليل هرّاس في كتابه (الحركة الوهابية): (هدف الدعوة الأول القضاء على ما ينافي التّوحيد من مظاهر الشرك والوثنية التي استشرت في العالم المسلم كلّه، كعبادة الموتى والأضرحة [بالدعاء] والاستعانة، وتقديم النّذور والقرابين، والتّبرك بالأحجار والأشجار والمغارات، والسّحر والتّنجيم والعِرَافة وأنواع الشّعوذة. فجدّت الدّعوة في القضاء على ذلك كلّه بإزالة ما فُتِن الناس به من [المقامات والبدع]، وبيان حقيقة التّوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وبيان الأمور النافية له) ص15. (وكانت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ورسائله مطمورة تحت ركام الإهمال والنّسيان، لا يسمح لها أهل البدع والإلحاد أن ترى النور. فلما قامت هذه الحركة المباركة أخذت تنقب عن تلك الثروة الهائلة التي خلفها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وجَدَّ المسئولون عن الدعوة في إبراز هذه الكنوز بالطبع والنشر) ص 39.

6- الشيخ علي الطنطاوي في كتابه (محمد بن عبد الوهاب): (كان العلماء قلّة، والحكام عتاة ظلمة، والناس فوضى يغزو بعضهم بعضاً ويعدو قويهم على ضعيفهم. في تلك البيئة نشأ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأراد الله له الخير فقدر له أن يكون من الذين أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم يُبْعثون ليُجَدِّدوا لهذه الأمة دينها، بل هو أحق بهذا الوصف من كل من وصف به في تاريخنا، فقد حقق الله على يديه عودة [جزيرة العرب] إلى التوحيد الصحيح والدّين الحق، والألفة بعد الاختلاف والوحدة بعد الانقسام). (عن كتاب أحمد بن حجر ص113).

7- علامة اليمن محمد بن إسماعيل الصّنعاني (ت 1182) في قصيدته التي حيَّا فيها ابن عبدالوهاب ودعوته:

سلامي على نجد ومن حلّ في نجد وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
وقد صدرت من سفح صَنْعا سقى الحيا رُباها وحيّاها بقهقهة الرعد
قفي واسألي عن عَالِمٍ حلّ سوحها به يهتدي من ضلّ عن منهج الرشد
محمد الهادي لِسُنّةِ أحمد فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي
لقد أنكرت كُل الطوائف قَولـه بلا صَدر في الحق منهم ولا ورد
فيرميه أهل الرّفض بالنّصب فرية ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس لـه ذَنْبٌ سوى أنّه أتى بتحكيم قول الله في الحلّ والعقد
ويتبع أقوال النّبيّ محمد وهل غيره بالله للشّرع من يهدي
ويعمر أركان الشّريعة هادماً مَشاهد ضلّ الناس فيها عن الرّشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وودّ ، بئس ذلك من وردّ

 8- علاّمة اليمن محمد بن علي الشّوكاني (ت 1250) في رثائه الشيخ محمد ابن عبدالوهاب:

إلى الله في كشف الشدائد نفزع وليس إلى غير المهيمن مفزع
إمام أصيب الناس طُرّاً بفقده وطاف بهم خطب من البين موجع
لقد رفع المولى به رتبة الهدى بوقت به يُعلى الضّلال ويُرفع
فأحيا به التّوحيدَ بعد اندراسه وأقوى به من مظلم الشرك مَهْيع
وشمّر في منهاج سنة أحمد يُشيْد ويُحْيي ما أُمِيْتَ، ويَرْفع
يناظر بالآيات والسّنة التي أُمرنا إليها في التنازع نرجع
فأضْحَت السّماء يبسم ثغرها وأمسى محيّاها يضيء ويلمع
سقى قبره من هاطل العفو ديمة وباكَرَهُ سُحْب من البرّ همّع
وأسكنه بحبوحة الفوز والرضا ولا زال بالرّضوان فيها يمتّع

9- علامة بتنة في الهند مسعود عالم النّدوي في كتابه (محمد بن عبد الوهاب، مصلح مظلوم ومفترى عليه، باللغة الأورديّة، ترجمه للعربية: الشيخ عبد العليم البستوي):

(ترك المسلمون كتاب الله وسنة رسوله واتخذوا مئات من الآلهة دون الله الواحد الأحد، وصاروا يدعون البدوي والرفاعي في مصر، والجيلاني في العراق والهند، وابن عباس في الطائف، وابن علوان في اليمن، ويخضعون ويتذللون أمام الأحجار والأشجار. ثم طلعت شمس الهدى والرشد من وادٍ غير ذي زرع، ورمال الأرض العربية التي اشتهرت بطيب العرار والخزامى فاح فيها طِيْبُ التوحيد، وأُعْلِيَتْ فيها كلمة الحق حتى عطّرت العالم بأسره، ذلك هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ونوّر ضريحه) ص26.

10- علامة المغرب د.محمد تقيّ الدين الهلالي في مقدمته لكتاب النّدوي، ص5: (الإمام الرباني الأوّاب محمد ابن عبد الوهاب، قام بدعوة حنيفية جدّدت عهد الرسول الكريم والأصحاب، وأسس دولة ذكرت الناس بدولة الخلفاء الراشدين، وقهرت الشياطين، وأحيت ما اندثر من علوم كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ [بمؤازرة] ملوك آل سعود من أولهم إلى يومنا هذا).

 11- علامة آكره في الهند محمد بشير الشّهسواني في كتابه (صيانة الإنسان عن وساوس الشيخ دحلان) دحض فيه شُبَهَ دحلان الذي تولى كِبْرَه في الافتراء على دعوة التجديد والتوحيد والسنة وشيخها محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. ويتميّز كتاب صيانة الإنسان بأنه دراسة علمية شرعية لقضايا التوحيد والشرك والسنة والبدعة، لا دخل لها في القضايا الشخصية والتاريخية لقادة الدعوة التجديدية من العلماء والأمراء. وكما قال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله (وهو الذي قام على طبعه للمرة الثانية عام 1352هـ): (إنه ليس ردّاً على الشيخ دحلان وحده، ولا على من احتج بما نقله عنهم من الفقهاء مما لا حجة فيه.. بل هو ردّ على جميع القبوريين والمبتدعين قبله وبعده) ص12.

 12- د.عبد الحليم عويس مستشار رئيس الجامعة الأزهرية، في رسالته عن أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الجزائر: (ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب، فكان أول مصلح خلال هذا العصر يضع يده على مواطن الداء الحقيقي الذي يتمثل في طبيعة ما آل إليه بناء الأمة الداخلي فكرياً وعقدياً ونفسياً، فبينما كان العالم المسلم مستغرقاً في همّه ومدلجاً في ظلمته على النحو الذي صوّره (ستودارد)، إذ بصوت ابن عبد الوهاب يدوي موقظاً النائمين، داعياً المسلمين إلى الرجوع إلى سواء السبيل.. وقد بلغ من عناية الشيخ ابن عبد الوهاب بالعقيدة حدّاً كبيراً لدرجة أنه قام بتتبّع مجالات تصحيحها ومحاربة صُوَر الإشراك في كلّ كتبه وخطبه ورسائله، وكانت العقيدة هي المحور الذي تدور حوله كل اهتماماتها) (ص108- 110 في مجموع دار البشير ـ عمّان 1417هـ: الدّعوة على منهاج النبوة).

 13- د.وهبة الزحيلي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة في جامعة دمشق، في كتابه عن الدّعوة التجديدية ضمن أسبوع جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1405هـ: (كان من أجرأ أصوات الحق، وأكبر دعاة الإصلاح والبناء والجهاد لإعادة تماسك الشخصية المسلمة وإعادتها لمنهج السّلف الصّالح: دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري لتجديد الحياة المسلمة بعدما شابها في أوساط العامة من خلافات وأوهام وبدع وانحرافات. فكان ابن عبد الوهاب بحق زعيم النهضة الدينية الإصلاحيّة المعاصرة الذي أظهر وجه العقيدة الشرعية الناصع، وأبان حقيقة التّوحيد الخالص لله عزّ وجل، وأن العبادة هي التوحيد، وحوّل الشراع رأساً على عقب للعمل الكامل بالقرآن والسنة، ونَبْذِ مظاهر الترف والبدع، وتحطيم ما علق بالحياة المسلمة من أوهام، والعودة إلى الحياة الصالحة الأولى والتزام أحكام الاسلام فكانت وثبة جبارة وقفزة رائعة في وَسَط شُوِّهت فيه مبادئ الإسلام ومناهجه). (ص58 ـ مجموعة دار البشير: الدعوة على منهاج النبوة).

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعي سنته والدعاة إلى منهاجه.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، في عمّان 1410هـ.