الدعوة إلى الله على منهاج النبوة
الدعوة إلى الله على منهاج النبوة
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى: أخي في دين الله وفي وطنٍ ميزه الله بأن أُسِّس من أول يوم على تجديد الدّين والدّعوة إليه على بصيرة من الوحي والفقه فيه، ألهمه الله رشده ووقاه شر نفسه.
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فإلحاقاً لما كتب حول جهل جلال كشك بالتاريخ ونأيه عن الأخذ بأسبابه المشروعة والمعقولة؛ فهو مجرد صحفي بما في الصحافة من عدم التثبت والسعي لملء فراغ وسائل الإعلام بطريقة: (سمعت الناس يقولون شيئأً فقلته) وأن خير من تقصى الحقيقة في أمر فتنة الدويش وعصابته عفا الله عنا وعنهم جميعاً: محمد أسد رحمه الله الذي ضرب كبد ناقته مع شمري من الموالين لآل الرشيد (هجر حايل بعد سقوط دولتهم وعمل جندياً في جيش العراق) وتتبعا آثار الدويش في المملكة المباركة وفي الكويت حتى وقفنا على مصدر تمويل وتسليح فتنته من قبل إنكلترا لضرب الدولة السعودية الناشئة بالصاة من رعيتها (كما تفعل الآن بالمسعري والفقيه وأضربهما) ليتيسر لها تأمين الحدود العراقية وتحقيق رغبتها إنشاء قاعدة بحرية في مينا رابغ والسيطرة على الخط الحديدي القديم إلى المدينة، وربما خظ جديد شمال الجزيرة من حيفا إلى البصرة مشروعات صرفت أموال وجهود للتخطيط لها وبدء العمل على تنفيذها أحبطها الله بفضله ثم بوقوف الملك عبد العزيز رحمه الله ضدها وتصميمه على رفضها، وربما كان لنشر تحقيق محمد أسد رحمه الله في الصحف الأوروبيية ثم المصرية أثر في إهمالها.
وقد وقفتُ هذا اليوم على مخطوط لتاريخ تلك الحقبة لمحمد علي العبيد (إليكم نسخة لبعض أوراقه في هذا الأمر) وهو ممن شهدها وأمضى ـ كما يقول نيفاً وثلاثين سنة يتجول بين بوادي حرب وشمر ومطير وعتيبه وسبيع والبقوم والدواسر وهتيم وغبرهم قال: (لم أضع في هذا الكتاب إلا ما شاهدته بعيني أو نقلته عن ثقات أعرف صدقهم وحفظهم لما شهدوه)، وهو يوافق محمد أسد رحمه الله على اتفاق العصاة على توزيع أرض الدولة السعودية بينهم ليكون للدّويش: أرض المحمل والوشم وسدير والعارض والخرج والحوطة والحريق وما والالها، ولفرحان بن مشهور: الجوف وحايل وتيما والعلا وخيبر وما والالها، ولابن بجاد: الحجاز والقصيم وما بينهما، ولحرب: المدينهة ورابغ وينبع، وللعجمان: الحسا والقطيف والجبيل وما والالها.
ومن تحقيق محمد أسد يتبين أن الإنجليز بنوا مركز على الحدود لإثارة الإخوان، فدمروها، فعاقبهم الإنجليز لكي يثيروهم على الملك عبد العزيز يرحمه الله، ولما تحقق لهم ذلك اتفقوا معهم لتحقيق غاية كل منهم.
وكانت العاقبة خيراً لدولة التوحيد والدعوة، بل للإسلام والمسلمين؛ ليجدد الله بها دينه وينشر بها الوحي والفقه فيه.
وكما ذكرتم تكررت المحاولات، وكما ذكرت لكم تكرر حفظ الله ورعايته لهذه البلاد وهذه الدولة المباركة التي لم يُخرج للناس مثلها (منذ قيام دول الابتداع وبخاصة الفاطميين والعثمانيين) فوحدت البلاد والعباد على التوحيد والسنة في المرحلة الأولى والحاضرة:
*** أزالت آثار الشرك والبدعة من العراق إلى بحر العرب ومن الخليج إلى البحر الأحمر لأول مرة منذ الفاطميين.
*** حاولت دولة الخرافة العثمانية القضاء عليها، وكان للباطل جولته؛ وعادت أكثر البدع ومزارات الشرك ومظاهره، وعاد الظلم والجور والعنصرية التركية للحرمين.
*** ثم زالت دولة الخرافة العثمانية؛ وعادت دولة التوحيد والسنة تنشر الحق والهدى والعدل.
*** أزال جيش الملك عبد العزيز رحمه الله جميع آثار الشرك والابتداع مرة أخرى ووحد البلاد على التوحيد.
*** نشر الملك عبد العزيز والملك سعود رحمهما الله كثيراً من كتب الدين ومراجع مثل: جامع الأصول، وتفسير الطبري، ومجموع فتاوى ابن تيمية والمغني والشرح الكبير، وغيرها كثير لأول مرة في التاريخ.
*** قامت دعوة للاشتراكية والقومية العربية (حمية الجاهلية) وظن أكثر العرب والعجم أن أيام الدولة المباركة معدودة، وقام الملك فيصل رحمه الله بدعوة التضامن الإسلامي، وسقطت الأولى بكل المقاييس وبقيت الثانية وكأنما كانت تمهيداً لما سمي بالصحوة الدينية، صحح الله مسارها على شرعه.
*** أنشأ الملك سعود رحمه الله الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية لغير السعوديين لنشر التوحيد والسنة خارج المملكة المباركة مثل انتشارها داخلها وآثرها بقصره، ولا يزال أهم وأساس مبانيها.
*** أنشأ الملك فيصل رحمه الله جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وألحق بها عدد من معاهد العلم الشرعي ومؤسساته في الخارج.
*** آثرت الدولة قضايا العرب والمسلمين على منفعتها، فأوقف الملك سعود رحمه الله الإمداد بالنفط عن الدول الأوربية المشتركة في العدوان الثلاثي (مع إسرائيل) على مصر عام 1956م، ثم أوقف الملك فيصل رحمه الله بيع النفط على الدول المشتركة في إعانة إسرائيل عام 1973م، وصرفت الدولة أموالاً هائلة في دعم الدول العربية والمسلمين، وفي سبيل محاصرة إسرئيل سياسياً.
*** صرفت الدولة أموالاً هائلة لتوسعة الحرمين ومشاعر الحج وخدماته في عهد الملك عبد العزيز وفي عهود أبنائه الملوك من بعده جزاهم الله بفضله وثوابه.
*** أنشأ الملك فهد حفظه الله قدوة صالحة مجمع المصحف المدينة النبوية حيث تُصرف آلاف الملايين سنوياً لنشر كتاب الله وتفسيره وترجمته لأكثر لغات العالم، وتحقيق ونشر كتب السنة، إضافة إلى ما نشره الملوك جميعاً والأمراء من آل سعود من المصاحف والكتب والمراجع الشرعية، وما بنوه من المساجد والمراكز والمدارس في الداخل والخارج.
*** قاوم ملوك آل سعود منذ الملك سعود رحمه الله وضع دستور بشري للحكم بغير ما أنزل الله وردوا بحزم كل ضغط داخلي وخارجي، اختياراً لما رضيه الله لعباده من دين الإسلام: كتاباً وسنة وفقهاً، ووفاءً بما عاهدوا الله عليه منذ قيام دولتهم المباركه في القرن الثاني عشر الهجرة، ومحافظة على إرثهم الشرعي ووصية والدهم المميز بفضل الله مجدد الدين في القرن الرابع عشر، زادهم الله حرصاً عليه وتميزاً به وعصمهم من مخالفته.
*** ولا تزال هذه الدولة المباركة الدولة الوحيدة في العالم المسلم التي تمنع ـ بوازع السلطان من فضل الرحمن ـ البناء على القبور والآثار الدينية ـ أكبر أبواب الشرك ـ والزوايا الصوفية ـ أكبر أبواب الابتداع ـ وجميع البدع التي زيدت على شرع الله ـ منذ الفاطميين ـ وأشنعها المشاهد والمزارات والمقامات والأضرحة ـ أوثان الجاهلية من قبل ومن بعد ـ ولا تزال رايتها (منذ نشأت) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشرط الأول للمواطنه فيها: الإسلام، لا مكان فيها لدعوة الشرك والبدعة، ولا لبيع الخمور والفواحش، ولا للملاهي المحرمة، ولا لذرائعها من المسارح والسينما.
هذه هي المفاخر الحقيقية الشرعية، لا الادعائية ولا الوهمية، وهذه هي المناهج التي يجوز اتباعها والتقرب بها إلى الله ونصها قدوة للعباد في كل زمان ومكان، لا فكر ماركس ولينين وميشيل عفلق، بل ولا فكر غير معصوم أياً كان.
*** وسيستمر الصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر، قال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لقويٌ عزيز} (الحج: 40)، جاء جمال عبد الناصر (تجاوز الله عن الجميع) وكان أهم ما دعا إليه القومية العربية ثم الاشتراكية وأهم ما حذر منه الاستعمار والإقطاع، وتبعه أكثر العرب وعَدُّوه المنقذ، وذهب مع دعوته.
وجاء الخميني، وأعلن أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، ولم يكذب المسلمون الخبر، وظنوا أن جمال عبد الناصر إن عجز عن تحرير فلسطين (بل ضاعت بقيتها على يده) فإن الخميني هو المحرر. ولم يبق من الخميني إلا وثنه، ولم تتحرر فلسطين.
وجاء جهيمان وأتباعه ليُصلحوا فأفسدوا في الحرم بما لم يُسبقوا به.
وجاء خليفة هولاكو (صدام الدين) ليحرر فلسطين عن طريق الكويت، ولأن أكثر العرب يتبعون كل ناعق يدعي أن هدفه تحريرها صدَّقوه وصفقوا له ـ وكانوا قبل عام يكفرونه لحربه إيران ـ وصدقوا دعواه أمس كما صدقوها اليوم بأن هدف أمريكا ليس إزالة طغيانه وعدوانه على شعبه وجيرانه ـ كما فعلت مع نصارى الصرب ـ بل استعمار البلاد المجاورة وتنصير المسلمين، وكأن الاحتلال العسكري لا يزال عملة متداولة ولم ينته قبل ثلاثين سنة، وصدقه حتى بعض كبار طلاب العلم والدعاة فأصدر شريطا ًسماه قال الله تعالى: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} (غافر: 44)، استعمله حزب البعث العراقي دعاية له، وكأنهم لم يعلموا أن أمريكا علمانية تمنع تدريس النصرانية.
وقبل ذلك ادعى الخطباء والمفكرون أن أفراد الشركة الكورية التي نفذت تمديدات الهاتف في بعض أجزاء المملكة المباركة جنود أعدتهم أمريكا لا حتلال منابع النفط (محاربة اللأشباح).
ويجيء اليوم عدد ممن يصفون أنفسهم بالمفكرين ينصحون دولة التوحيد والسنة بالتلبس بما ميزها الله بالبعد عنه: مناهج الوثنيين والعلمانيين من ألفاظ وشعارات وممارسات ما أنزل الله بها من سلطان، بل هي عين ما تلحّ أمريكا والأمم المتحدة على تنفيذه: الدستور، الانتخابات، حكم الأغلبية، حقوق الإنسان… ألفاظ ومعاني وممارسات لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا متبعي سنته في القرون المفضلة بل ولا القرون الأخرى، قبل القرن الأخير وانتشار وباء التقليد الغربي والشرقي.
وانظر يا أخي إلى آثار رحمة الله في صحراء جزيرة العرب كيف صارت (بفضل الله عليها ثم بتمسكها بما عاهدت عليه الله من حفظ شرعه وإقامة حدوده إلى درجة لا ينافسها عليه أحد اليوم)؛ صارت قبلة لطالب الدين والدنيا، بينما تتبدد شعوب دول أخرى أغناها الله ـ مثل العراق ـ بنهرين من أعظم أنهار المنطقة ونهر ثالث من النفط، وتتشتت في الأرض بحثاً عن الحرية والأمن والطعام في بلاد الإسلام والكفر.
أما فلسطين فلن تعيدها أحلام الطغاة وأوهام السفهاء، كيف تعود وأول مشروع تجاري في أريحا مؤسسة للقمار والخمر، وأول مشروع ديني ترميم وتطوير أوثان المزارات والمشاهد لم تُقدم عليها إسرائيل طيلة احتلالها فلسطين عشرات الأعوام، وأقدم عليها من ينتسب أكثرهم للإسلام، ولم يُنكب أهلها لمجرد وجود إسرائيل وأوروبا وأمريكا، بل كما قال الله لمن هم خير منهم قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران: 165) هدى الله الجميع للتي هي أقوم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.