المظاهرات والثَّورات والانتخابات شرٌّ شرعًا وعاقبةً
المظاهرات والثَّورات والانتخابات شرٌّ شرعًا وعاقبةً
بسم الله الرحمن الرحيم
أ– قبل أن تُدْخل هذه المصطلحات الشيطانية قاموسَ اللغة العربية العصرية وحياة مسلمي العصر: وسوس الشيطان وسوَّلت الأنفس الأمَّارة بالسوء لبعض مسلمي القرن الأول الهجري الخروج على وليِّ أمرهم الخليفة الراشد المهدي الثالث عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والشهادة والمغفرة من الله، وأنه تستحي منه الملائكة؛ خرج عليه أوائل الخوارج بالقول ثم بشرِّ العمل فقتلوه بالتهمة التي يردِّدها الخوارج على ولاة أمرهم حتى اليوم، وربما إلى يوم القيامة: توليته بعض أقاربه وغيرهم، أو منحهم المال أو الأرض دون بعض، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الواحد الوادي من الغنم، ويقسم الذهبة في تُربتها بين الثلاثة، ويُقطع الأرض من يشاء دون غيرهم، وربما غضب بعض الصحابة فأرضاهم بتذكيرهم أن الناس يذهبون بالشاة والبعير، ويذهبون هم وحدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالهم، وربما أرضى بعضهم بأنه يتألف غيرهم بالعطاء الدنيوي ويكلهم هم إلى إيمانهم، وربما أعلن سلف الخوارج الخروج على الرسول بالقول: (اعدل يا محمد!) أو: (أن كان ابن عمَّتك؟)؛ تشابهت قلوبهم وألفاظهم.
ووسوس الشيطان وسوَّلت الأنفس الأمَّارة بالسوء لبعض مسلمي القرن الأول الهجري الخروج على الخليفة الراشد المهدي ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وعلى آله وصحبه) ووليِّه وصفيِّه (علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ) الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وبمحبة الله ورسوله؛ خرج عليه أوائل الخوارج بالقول ثم بشرِّ العمل فقتلوه بالتهمة التي يرددها خلف الخوارج حتى اليوم: (الحكم بغير ما أنزل الله)، تشابهت قلوبهم وألفاظهم.
وإذا كان الشيطان قد خصَّ غير الحزبيين بدعوى الخوارج على عثمان: (عدم العدل في توزيع الوظائف والمنح والجوائز) فقد جمع للحزبيين (الموصوفين زورًا بالإسلاميين) دعوى الخوارج على عثمان ومعها دعوى الخوارج على علي ـ رضي الله عنهما وأرضاهما ـ: (الحكم بغير ما أنزل الله). وتولى كِبر هذا الأمر حزب الإخوان المسلمين الذي أسس من أول يوم على الخروج على ولاة الأمر صالحين أو دون ذلك، وشرع الله خلاف ذلك، فلا يجوز الخروج على وليِّ الأمر ولو ظلم، ولو فجر (إلا أن تروا كفرًا بواحًا) فيجوز لأهل الحلِّ والعقد (لا الغوغاء) أن يقرروا كفره، ويختاروا الأصلح لولاية الأمر، أما ما دون الكفر الصريح البواح فقد شرع رسول الله بأمر الله تعالى له (السمع والطاعة) للأمير: (ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، ولو كان الأمراء (لا يستنون بسنته ولا يهتدون بهديه) فيما دون الاعتقاد: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
والإخوانيون لم يكونوا بعدين عن الشرك ـ منذ حسن البنا وعمر التلمساني رحمهما الله لو ماتا على التوحيد) (انظر كتاب: مذكرات الدعوة والداعية للبنا وشهيد المحراب للتلمساني)، وإلى رئيس حماس اليوم ـ قولًا أو فعلًا أو تجنبًا للأمر بالتوحيد في العبادة أو النهي عن الشرك بأوثان المقامات والمزارات والمشاهد، ابتداءً من ضريح الحصافي (شيخ طريقة البنَّا الصوفية) إلى ضريح الخميني الأب الروحي لحماس، كما أعلن رئيس حماس الحالي، ولن تجد نهيًا عن الشرك الأكبر في واجبات الإخواني ولا منجياته ولا مهلكاته ولا موبقاته ولا وصاياه، كأنما يتعمد التلبس بهذه الجريمة أبدًا.
ب– وجاءت الثورة الفرنسية الوحشية قبل (220) سنة قدوة جديدة للمتظاهرين والثُّوار المحدثين؛ جاءت تطالب بالعدالة والحرية والدستور وحقوق الإنسان والمواطن (تشابهت قلوبهم وألفاظهم)؛ وفقد الناس ـ يومها، بل أعوامها ـ الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والمواطن، ومعها الأمن على الأرواح والأعراض، وحاول لويس (16) أن يطفئ الثورة بإعطاء الثائرين شيئًا مما يطلبون، وكأنما كان هذا فاتحًا للشهية الثورية فكلما تحقق مطلب زادت مطالبهم، فالمهم هو الثورة والمطلب مجرد ذريعة، ثم تنادى الغوغاء للهجوم على قلعة الباستيل (لتحرير السجناء السياسيين بزعمهم) وتم لهم فتح القلعة وتحرير السجناء وعددهم سبعة من أعتى المجرمين القتلة لم يكن بينهم سجين سياسي واحد، وبعد أن نجحت الثورة ثار بعض الثوار على رفقائهم في الثورة، ويُروَى أن إحدى الثائرات اتهمت بالخيانة وعداوة الحرية، وفي طريقها إلى المقصلة نادت نُصبًا للحرية: (أيتها الحرية كم باسمك تُقترف الآثام)!
ثم تحولت الثورة إلى ثورات مضادَّة ودكتاتوريات شعبية؛ اقتدتْ بها الثورة العراقية الوحشية على الهاشميين، ثم على الثائرين الأوائل، ثم على من بعدهم إلى حزب البعث وثورة رفيقٍ بعثيٍّ على رفيقٍ بعثيٍّ… إلخ. كفى الله المسلمين شرهم.
ج– وسواء كانت الثورة سوقية كالثورة الفرنسية، أو عسكرية كالثورات العربية، والجنوب أمريكية ونحوها، ومثلها المظاهرات والاعتصامات والانتخابات والإضرابات فإن قاسمها المشترك: الجهل بشرع الله؛ فلا تجوز شرعًا ولا عقلًا ولا عاقبةً، ولا يسوِّغُها ظلم ولا فجور، ولا زمان ولا مكان ولا حال، فالأمر بطاعة ولاة الأمر والنهي عن معصيتهم مطلق في الكتاب والسنة: (في المنشط والمكره وعلى أَثَرةٍ علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحقَّ أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)، ومن فضل الله أن جمع في الحديث بين الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية والخروج، وبين الأمر بقول الحق رغم لوم اللائمين، لأن كثيرًا من الخوارج الجهلة العصاة يستدلون بذلك الحديث على جواز الخروج بالقول على ولاة الأمر اتباعًا لمنهاج حزب الإخوان وفروعه: الإنكار على الحاكم ومداهنة المحكوم ابتغاء تأييده الغوغائي للحزب الضال فيما يظهر.
والاستثناء الوحيد من الأمر بطاعة وليِّ الأمر والنهي عن معصيته والخروج عليه بالقول أو العمل: أن يرى أهل العلم الشرعي: (كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان)، وهذا الأمر بعيد عن متناول الفكريين والحركيين والحزبيين، لا يجوز لهم ولا يقبل منهم القول فيه.
د– والانتخاب وحكم الأغلبية مخالف للشرع والعقل، فأكثر الناس: {لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187]، و: {لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17]، و: {لَا يَفْقَهُونَ} [الأعراف: 179]، و: {لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243]؛ كما قال خالقهم تبارك وتقدس اسمه وتعالى جدُّه.
ولو تنازل ولاة الأمر (لنبض الشارع) كما ينعق بعض الصحفيين، وللمتظاهرين والمعتصمين والمضربين والمنتخبين والصحفيين عن شيء مما ولاهم الله من قيادة الأمة إلى ما أراهم الله من الخير؛ فالعاقبة: مخالفة شرع الله، وسنة رسوله، وسنة خلفائه، وفِقْه الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، ثم الضياع؛ فلن يهدي إلى الخير مَنْ {لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى} [يونس: 35] ومن لا يهتدي بهدي الله ورسوله؛ وكل هؤلاء الغوغائيين منهم، هداهم الله، وكفى المسلمين شرهم.
وبلاد ودولة الدعوة إلى التوحيد والسنة (بخاصة) مصطفاة من الله، ومميَّزةٌ منه على جميع بلاد المسلمين والكافرين بتجديد الدين والدعوة في كل قرن من القرون الثلاثة الأخيرة بتحكيمها شرع الله في كل مسائل الاعتقاد والعبادة وجل مسائل المعاملات، وبتطهيرها من أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة، ومن معابد الأديان الباطلة، وزوايا الصوفية، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد راعت الأمم المتحدة تميُّزها، فأقرت رفع رايتها إذا خفضت كل الرايات الأخرى؛ فلتخرس الأصوات التي تطالبها بما يسمى زورًا: حق التظاهر والانتخاب وحرية التعبير والدين. فلا حرية في بلد ودولة التوحيد والسنة إلا لما شرع الله.
(مكة: 1432هـ).