تفسير الجزائري، ونظرات الرومي [بعض أخطاء الشيخ أبو بكر الجزائري]
تفسير الجزائري ، ونظرات الرّومي [بعض أخطاء الشيخ أبو بكر الجزائري]
بسم الله الرحمن الرحيم
أ – أهداني الشّيخ فالح بن نافع أثابه الله نسخة من كتاب الشيخ عبد العزيز الرّومي: (نظرات في كتاب أيسر التّفاسير لأبي بكر الجزائري) ط(1) مكتبة التّوبة 1433.
وقد عرفت الشيخ فالح قبل ربع قرن متعاوناً مع عدد من إخوانه الدّعاة على بصيرة لنصرة السّنّة ومحاربة البدعة والفتنة ونفع الله بهم فاندحرت الفتنة والبدعة وانتصرت السّنة وأهلها ودولتها .
ولمّا كانوا أشدّ النّاس على الشّيطان وأعوانه حرص الشّيطان على تفريقهم فتفرقوا، وإن بقي كل منهم على منهجه السّلفي بفضل الله.
ب – وتفسير القرآن الكريم إمّا أن يكون بعلم أو بغير علم، ولا يكون بعلم إلا إذا كان ملتزماً بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان في القرون الخيّرة رضي الله عنهم وأرضاهم وهم الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَطُل الأمد بينهم وبين عهد النبوّة وَحْيه وعلمه وعمله ولغته، ولا ثقة في تفسير من بعدهم ولا حاجة إليه إلا من نقل عنهم مثل ابن كثير رحمه الله فتفسيره تهذيب لتفسير ابن جرير رحمه الله (فيما ظهر لي أثناء تهذيبي لتفسيريهما أسكنهما الله الفردوس من الجنّة). ولقد ساءني إقدام أبي بكر الجزائري على الخوض في بحر القول على الله ومراده من كلامه، وخشيت أن يطغى أسلوبه الوعظي – بما لازمه من تساهل – على أسلوب العلماء – بدقّته واحتياطه والتزامه بنصّ الوحي والفقه فيه من أهله الأُوَل -، ووقع ما خشيت من وقوعه: فسّر الشيخ القرآن بأسلوب الوعظ الخَلَفِي لقرّاء لا يفرّقون بين الوعظ والواعظ وبين العلم والعالم؛ فتسابقَتْ دور النّشر على نشره.
ج – وكعادتي لم أهتمّ بشراء نسخة منه ولم أقرأه واكتفيت بمطالبتي جهات الإختصاص (هيئة كبار العلماء بخاصّة) بمنع نشر التّفاسير المحدثة ومنع إعادة طبع ما سبق طبعه منها صيانة لكتاب الله من عبث العابثين وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، ولعلّ أوّلهم الزّمخشري (ت538) في الكشّاف تجاوز الله عنه وعنهم جميعاً. ولا أدري هل عُرِضَ رأيي على اللجنة أم قُطِع عليه الطّريق؟
ثم رأيت في كتاب العلاّمة حمود التّويجري رحمه الله (القول البليغ في التّحذير من جماعة التّبليغ ط(2) 1418 ص311 إلى ص343) تحذيراً للشّيخ الجزائري وتحذيراً لتلاميذه من تفسيره القرآن بغير علم ومن تعسّفه في استنباط الأحكام الشّرعيّة من الآيات والأحاديث، وأورَدَ أمثلة على ذلك أبعدها عن منهاج النّبوّة والصّحبة والإتّباع:
1) الإستدلال على التزام جماعة التّبليغ هداهم الله بالخروج ثلاثة أيّام وأربعين يوماً وأربعة أشهر بقول الله تعالى:{فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام} وقوله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة} وقوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر} ضمن (بيانه) في مركز الجماعة بالدّوحة.
2) إستنباط حكمين جديدين (أدخلهما في دين الإسلام) هما: (طلب الأجرة على العمل الخارج عن نطاق العبادة)، و(مشروعيّة التّرقيات الحكوميّة لذي الخدمة الجليّ للدّولة) من قول السّحرة قبل إيمانهم لفرعون عدوّ الله وإجابته سؤالهم في تفسير قوله تعالى عنهم : {قالوا إنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين * قال نعم وإنّكم لمن المقرّبين} من سورة الأعراف.
3) عدم دقّة إيراد الجزائري الآية والحديث، فهو يزيد أو ينقص حرفاً أو كلمة أو جملة – دون قصدٍ –، وهذا ما شكا منه الشيخ الرّومي في ملحوظاته على تفسير الجزائري كثيراً جدّاً.
4) تساهله بالجزم بصحّة حديث: «من صلّى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التّكبيرة الأولى كتبت له براءتان براءة من النّار وبراءة من النّفاق» وقد قال عنه رَاوِيهِ التّرمذي: (هذا حديث غير محفوظ وهو مرسل)، وأخطأ الجزائري في لفظ الحديث وفي استدلاله به على صحّة الخروج أربعين يوماً.
5) ومن غلبة الأسلوب الوعظي المُحْدَث عليه قوله: (من ترك ذكر الله وشكره فجريمته أنّه دمّر الملكوت الأعلى بكلّ ما فيه وخرّب العالم السّفلي بكلّ ما فيه)، فردّ عليه الشيخ التّويجري بمثل قول الله تعالى: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم} [ومثلها قول الله تعالى: {إنّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّوا الله شيئا} وقوله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يضرّونك من شيء}، وقال تعالى للمؤمنين: {لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}. ولكن أكثر الواعظين المحدثين ومبلغهم من العلم شهادة دراسيّة ، ولفظ معسول، وفكاهة، وبيت شِعْر، وقصّة أو مَثَلٌ ما أنزل الله بهما من سلطان فقد نقل الشّيخ التّويجري رحمه الله عن ابن الجوزي رحمه الله (ت597): أنّ أحد الواعظين المحْدَثين ختم موعظته بقوله: وإنّي أقول كما قال العبد الصّالح: (ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد) .
د – أمّا الشّيخ عبد العزيز الرّومي رحمه الله (ت1421) فاستدرك على الشّيخ الجزائري في 185 موضعاً من تفسيره، أي نحواً: ممّا استدرك عبدالله الدّويش رحمه الله على سيد قطب رحمه الله في تفسيره أو ظلاله، ومن نظرات الرّومي:
1) قول الجزائري في تفسيره قول الله تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون}: (الرّبّانيّون هنا : العباد المربّون كمشايخ التّصوّف).
قلت: لربما كان الشّيخ الجزائري أقرب إلى الحقّ لو قال عمّن يقولون الإثم ويأكلون السّحت: كمشايخ التّصوّف، فلا يكاد يقال إثم (في أيّ دين أو لا دين) كما قال الحلاّج وابن عربي وابن الفارض وأمثالهم من مشايخ التصوّف، فضلاً عن أكل السّحت.
2) قول الجزائري في تفسير قول الله تعالى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {قال ومن ذرّيتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}: (مشروعيّة ولاية العهد بشرط ألا يُعْهد إلاّ إلى من كان على غاية من الإيمان والعلم والعمل والعدل والصّبر).
قلت: ولاية العهد هي الأساس ، وهي التي قامت عليها الحياة منذ بداية التّاريخ حتّى الثّورة الفرنسية الغاشمة عدا فترة قصيرة في حضارة اليونان الوثنيّة ضاعت بسببها، وقال بعض علماء الأمّة: بأنّ ولاية العهد أصحّ طريق للولاية. ولا تزال أكثر ممالك وإمارات أوروبا (التي قامت فيها الثّورة الغاشمة وحكم الشّعب بالأكثرية الضّالّة) لا تزال تحكمها ولاية العهد والملكيّة الوراثيّة، وإذا لم يوجد نصّ في كتاب الله ولا في سنّة رسوله ولا سنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين يغيّر هذا الأصل فهي أقرب للعقل إذ أنّ الأسرة المالكة مدرسة لتخريج الملوك والأمراء لا يوجد مثلها للثّورات ولا للإنتخابات. ولكن الآية الكريمة لم يفسّرها النّبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم بمثل تفسير الشيخ الجزائري تجاوز الله عنه.
3) قول الجزائري في تفسير قول الله تعالى: {وعلّم آدم الأسماء}: (والعرض التّلفازي اليوم يسهّل على المرء إدراك كيفية عرض الله تعالى الموجودات أمام الملائكة، وذكر آدم لأسمائها). ولا حاجة لتعقيب إلاّ الأسف بنزول مستوى التّفسير إلى هذا الدّرك.
4) قول الجزائري في تفسير: {إنّي جاعل في الأرض خليفة}: (يأمر تعالى رسوله أن يذكر قوله للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة يخلفه في إجراء أحكامه في الأرض…).
قلت: جملة (يخلفه في إجراء أحكامه في الأرض) إنّما ظهرت من جراب الشّيخ المخالف لفهم السّلف. ونقل الرّومي قول ابن تيمية رحمهما الله: أنّ هذا ما يظنّه طائفة من الإتّحادية وهو جهل وضلال.
5) قول الجزائري في تفسير: {ويسألونك عن ذي القرنين}: (الإسكندر باني الإسكندرية المصرية الحميري أحد الملوك التبابعة وكان عبداً صالحاً) وقال في الصّفحة بعدها: (وقد يكون نبيّا ويكون قول الله هذا له وحياً). ونقل الشيخ الرّومي كلام ابن تيمية وابن القيّم رحمهم الله عن أن كثيراً من الجهّال يحسب أن الإسكندر المقدوني بن فيليبس ملك مقدونيا هو ذو القرنين وبينهما في الدّين تباين عظيم فذو القرنين كان رجلاً صالحاً مؤمناً يغزو عبّاد الأوثان أمّا الإسكندر فهو وثنيّ هو وجنوده، وغزا فارس والهند والصّين وتركيا.
قلت: وكان ابن تيمية أدقّ من ابن القيّم رحمهما الله في تاريخ حياة الإسكندر المقدوني الوثني، إذ أرّخ ابن تيمية حياته بنحو 300 سنة، وابن القيّم بنحو 1600 سنة قبل المسيح صلى الله عليه وسلم، فالموسوعة الأمريكيّة تؤرّخ حياته بين 356 و323 قبل المسيح ، وفي الباكستان اليوم قبيلة وثنيّة تنتمي إلى من تخلف من جند الإسكندر، ويشهد لهم لون البشرة والعين إضافة إلى الدّين.
6) ظنّ الجزائري أنّ ذكر الله خلقه السّماوات والأرض كثيراً في كتابه إنما هو لتوكيد وجوده، فبيّن الروّمي أنّ وجود الله ثابت في الفطر، ولا يكاد يشكّ فيه أحد، وإنّما هو دليل على وجوب إفراد الله بالعبادة ونفيها عمّا سواه الأمر الذي بعث الله به كلّ رسله.
7) تكرار الجزائري الزّيادة على الأثر بحرف أو كلمة أو أكثر.
8) أمر واحد لم أر للشيخ الرّومي استدراكه على الجزائري فقد سبقه به أكثر المفسّرين وهو الإقتصار على: (سميعاً) لأقوالهم (بصيراً) بأعمالهم و: (عليماً) بأحوال خلقه (خبيراً) بتدبيرهم، والله أعلم.
(1434/4/4هـ).