رأس الدعوة إلى الفتنة: حزب الإخوان المسلمين

رأس الدعوة إلى الفتنة: حزب الإخوان المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

أ- في رمضان الماضي صرّح وزير الداخليّة لجريدة السياسة الكويتية: (بأن مشكلاتنا كلّها جاءت من [حزب] الإخوان المسلمين، بعد أن لجأوا إلى المملكة فاستضافتهم وحـَمَتْهم وأوجدت لهم سبل العمل، ولكنهم أخذوا يجنّدون النَّاس وينشؤون التّيارات ويُسِيْئون إلى المملكة، والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]، بل سبّبوا المشاكل في كل عالمنا العربي والإسلامي).
وفي تصريح لاحق (للجريدة نفسها) أكّد سمّوه أن تاريخ الإخوان المسلمين يدلّ على أنّ (قصدهم القفز إلى الحكم وليس الدعوة إلى شرع الله وخير الإسلام والمسلمين).
ب- وهذه الدعوى يُؤَيِّدها أن من أهمّ أهداف الحِزْب الـمُعْلَنَة: (استخلاص الحُكْم من أي حكومة لا تنفّذ أمر الله، بعد أن تنتشر مبادئ الإخوان وتسود، وبعد أن تتوفّر أسباب القوة: الإيمان ثم الوحدة ثم السّلاح) مجموعة رسائل حسن البنّا، طبع المؤسّسة الإسلامية ص169.
وكلّ الحكومات عند قادته لا تنفّذ أمر الله: (إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التّعامل فيه هي شريعة الله) في ظلال القرآن لسيّد قطب ص2122 طبع دار الشروق.
وبخاصّة في سياسة الحُكْم فقد حكم عليها سيّد قطب بأنها (خرجت نهائيًّا من دائرة الإسلام منذ عهد المنصور العبّاسي؛ بسبب الثراء الذي بدأ بداية صغيرة في عهد عمر وفشا فُشُوًّا ذريعًا في عهد عثمان) العدالة الاجتماعية في الإسلام ص168ـ175 طبع دار الشروق.
ويؤيّد الدعوى بأن هذا الحزب (يهدف إلى القفز إلى الحكم لا إلى الدعوة إلى شرع الله): مسارعة الحزب إلى تأييد ثورة الخميني، ثم تأييد احتلال حزب البعث العراقي (وطاغوته) الكويت، لعلَّه يُعْطى جائزته.
جـ- والحزب بلا شكّ لا يدعو إلى شرع الله بدليل:
1) تعريف حسن البنّا الحركة بأنها: (دعوة سلفيّة وطريقة سنّيّة وحقيقة صوفيّة وهيئة سياسيّة وجماعة رياضيّة ورابطة علميّة ثقافيّة وشركة اقتصاديّة وفكرة اجتماعية) مجموعة رسائله ص156ـ157؛ المهمّ: اجتذاب الجميع لاستخلاص الحكم من أيدي وُلاتِه إلى أيدي القائمين على الحزب.
2) مناقضة فكر مُؤسِّس الحزب، شرع الله مناقضة صريحة لما ثبت في الصّحيحين عن عدد ونوع الموبقات:
فهي في فكر حسن البنّا: (الاستعمار، الخلافات السّياسية والشخصية والمذهبية، الرّبا، الشركات الأجنبيّة، التّقليد الغربي، القوانين الوضعيّة، الإلحاد والفوضى الفكريّة، الشهوات والإباحية، وفساد الخلق وإهمال الفضائل النَّفسيَّة، ضعف القيادة وفقدان المناهج العلمية) مذكّرات الدعوة والداعية ص295ـ296.
وهي في الوحي من حديث من لا ينطق عن الفكر والهوى: «الشرك بالله، والسِّحْر؛ وقتل النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتّولي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [متفق عليه]؛ فلم يوافق الفِكْرُ الوَحْيَ إلاّ في الرّبا.
3) مناقضة فكر الحزب شرع الله مناقضة صريحة لمحكم آيات الله عن عدد ونوع أهمّ وصايا الخالق للمخلوق:
فهي وصايا عشر في فكر حسن البنّا: تجاوز الله عنا وعنه (قُمْ إلى الصلاة متى سمعت النّداء، أُتْل القرآن أو طالع أو استمع أو اذكر الله، إجتهد أن تتكلَّم العربيَّة الفصحى فإن ذلك من تعاليم الإسلام، لا تكثر الجدل في أيّ شأن، لا تكثر الضّحك، لا تمزح، لا ترفع صوتك أكثر مما يحتاج إليه السّامع، تجنّب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات، تعرّف إلى من تلقاه من إخوانك، الواجبات أكثر من الأوقات فعاون غيرك على الانتفاع بوقته، وإن كانت لك مهمّة فأوجز في قضائها).
وهي في وحي الله من كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151]، {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152]، وختمها الله تعالى بالأمر باتّباع شريعة الوحي والنّهي عن اتباع سُبُل الفكر والهوى؛ فهي سبب التّفرق والضّلال، فقال في سورة الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وقال في سورة الإسراء بعد ذكر هذه الوصايا نفسها: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
4) ومع أن حسن البنّا نقل عدد الوصايا من رواية اليهود عن التّوراة (المحرّفة) فإن الرّواية اليهودية كانت أقرب إلى شرع الله من فكره؛ فقد بَدَأتْ بتحريم عبادة غير الله، وثنَّتْ بتحريم صُنْع التماثيل والسجود لها، وبيَّنَتْ تحريم الزّنى وتحريم السّرقة وتحريم القتل، وأمَرَتْ ببرِّ الوالدين، وهذه ستٌّ موافِقَةٌ لشرع الله لم يوفّق البنّا رحمه الله لأيٍّ منها.
5) مناقضة فكر الحزب شرع الله في كل رسالاته (ومع كل رسله) بإهماله دائمًا نشر توحيد العبادة لله وحده والسنة ومحاربة الشرك الأكبر بالمقامات والمزارات والمشاهد وما دونه من البدع،وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].
د- وقد بدأت مرحلة العُنْف الإخواني في مناهضة السّلطة الحاكمة باغتيال رئيس وزراء مصر مقابل  اغتيال حسن البنّا، ثم جاء سيّد قطب تجاوز الله عنَّا وعنه ليقود العنف الفكري والعملي:
1) ظنَّ أن وراثة الحكم (طعنة في قلب الإسلام ونظامه واتجاهه) ص155 معركة الإسلام والرأسماليّة طبع دار الشروق، مع أن سليمان ورث المُلْك من أبيه داود عليهما السلام، وورث يزيد (التابعي) المُلْك من أبيه معاوية (الصّحابي، كاتب الوحي، المحدِّث، الفقيه، الفاتح العظيم)، وأن أبا بكر عَهِد بالمُلْك من بعده لعمر رضي الله عنهما، وتكرّر العهد بالملك ووراثة الحكم في القرون المفضّلة، وكان من خير نتائجه: عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
2) وظنَّ سيَّد أنّ تغيير نظام الحكم هو طريق الإصلاح فحَرَّضَ الشعب على الثورة: (الآن ينبغي أن تتولى الجماهير الكادحة المحرومة المغبونة قضيتها بيدها.. إن أحدًا لن يقدّم لهذه الجماهير عونًا إلاَّ أنفسها، فعليها أن تُعْنَى بأمرها ولا تتطلّع إلى معونة أخرى) المعركة ص113.
3) وسنّ للثورة طريق الاشتراكية المخالفة لشرع الله: (للدولة أن تنتزع الملكيَّات والثّروات جميعًا وتعيد توزيعها على أساس جديد ولو كانت هذه الملكيّات قد قامت على أسُسٍ شرعية ونَمَتْ بوسائل شرعيّة) المعركة ص44. و(أباح للدّولة أن تأخذ نسبة من الرّبح أو من رأس المال) المعركة ص123.
وكان لسيّد ما تمنّى من تغيير نظام الحكم ونزع الملكيَّات وتأميم الثروات وتوزيع الأراضي الزّراعيّة الخاصّة على من لا يملكها، ولم يتحقق الإصلاح بل تمّ تأميم الفقر والظلم.
وبعد أن (قرّبه قادة الثورة وعمل معهم 12 ساعة يوميًّا في بداية الثورة، وجعلوه موضع ثقتهم ورشّحوه لمناصب هامّة وتشاوروا معه في مثل: مسائل العمّال، والحركات الشيوعيّة التخريبيّة بينهم، وفترة الانتقال، والدّستور، واستغرق في العمل معهم حتى فبراير 1953م؛ بدأ الخلاف بينهم [إداريًّا لا شرعيًّا] حول هيئة التحرير، ثم انضمّ إلى جماعة الإخوان المسلمين، وانتهى الأمر بسجنه ومحاكمته وشنقه لاعترافه بالتّآمر لقتل رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء وثلاثة من كبار المسؤولين وتفجير محطّة الكهرباء ونَسْفِ بعض الجسور دفاعًا عن الحزب وأعضائه) كما يقول في مذكرة التحقيق التي نشرها أنصاره في العدد الثاني وما بعده من جريدة (المسلمون) وطبعها أنصاره في الشركة السعودية للأبحاث والتّسويق ضمن سلسلة كتاب الشرق الأوسط بعنوان: (لماذا أعدموني) ص50ـ61، وليس السّبب ما أشاعه الحزب عن مطالبته بالحكم بما أنزل الله، فهو الذي قاد الثورة للاشتراكيّة.
هـ- ونتيجة لِفِكْر سيّد قطب المكفّر لجميع الأمة بالكبائر بل الصّغائر بل المباحات، وتحريضه أتباعه على اعتزال النّاس وهجر مساجدهم والانعزال في بيوتهم وفكرهم واعتقاد أنهم وحدهم على الحق وأن غيرهم مرتدّون جاهليّون. (أنظر فكر سيّد قطب بين رأيين طبع ونشر مكتبة السنة في الخبر عام 1422هـ)؛ بدأت الحركة الأم تفقد أبناءها الذين ضاقوا بِنَفَسِها الطويل فانعزلوا تحت عناوين جديدة: (التحرير، التكفير والهجرة، الجهاد، السرورين، القطبيين).
و ـ أما الفتنة الحاضرة فهي نتيجة لهذا كلّه، وأساسها: (المناجزة لا المصابرة).
وقد نشرتْ جريدة الشرق الأوسط في عددها 8797 بتاريخ 1422/9/19هـ اعترافًا صريحًا من أكبر قادة ومفكري الفتنة الحاضرة (أيمن الظواهري) بأن فكر سيّد قطب هو محرّك الفتنة وبخاصة في كتابه الدّيناميت (معالم في الطريق) وكتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، وهذا حقٌّ ينقصه ذِكْر كتابه: (في ظلال القرآن) وكتابه: (معركة الإسلام والرأسمالية)، وكانت هذه المملكة المباركة السّوق الأولى والأهمّ لكتب سيّد قطب يقوم على نشرها أخوه محمد قطب (المقيم في مكة المباركة) مطبوعة في دار الشّروق في مصر ولبنان.
ز ـ وبعد أن كانت كتب سيّد (وبخاصة في الظّلال) تُطْبع وتُوَزّع من قِبَل بعض المؤسسات الحكوميّة وتدرّس في بعض معاهد التعليم (ومنها: معهد الأئمة والدّعاة التابع للرّابطة في مكة)، وتوضع في مكتبات المدارس والمساجد، بل تذاع مقتطفات منها في الإذاعة (ذَكَر سيّد ذلك في مذكّرته للمحققين ص77)؛ بدأ يظهر خطر ذلك واتُّخِذَتْ بعض الإجراءات التي قد تتلافى بعض هذا الخطر، ولكنَّ فكر سيّد ولو لم يُنْسب إليه يُسَيْطِر على أكثر الخطباء والمعلمين والدعاة وعلى بعض الصّحفيين والمثقّفين والمفكّرين والعاملين في الإذاعة والتلفزيون، ومن ذلك:
1) ادّعاء أن الحرب على الإرهاب حرب على الإسلام، والحقّ أنها حرب على المسلمين المشتركين في الإرهاب، وعلى غير المسلمين كما حورب ماركوس من قبل، وكما حورب البعث العراقي الملحد، والشيعة الإيرانيّون، والصّرب النصارى، والشّيوعيون، وغيرهم.
2) تأكيد الأئمة في دعاء القنوت (والخطباء يوم الجمعة) أن المسلمين يواجهون اضطهادًا في الدّين، وهذه فرية لا وجود لها اليوم في بلد مسلم ولا كافر، وأقرب شيء إلى الاضطهاد بعد أصحاب الأخدود ومشركي قريش وحكّام إسبانيا بعد زوال حكم المسلمين: مَنْع أنور خوجه (الألباني الشّيوعي) الصّلاة في المساجد والكنائس والمعابد، ومَنْع البعث العراقي دروس الدّين للجميع في المساجد، ثم للسلفيّين خاصّة (بعد غزو الكويت واحتلالها ثم تحريرها) لأنهم بفضل الله يُعْزَون للسّعودية. أما المساجد في أوروبا وأمريكا (بل وإسرائيل) فمفتوحة ليلاً ونهارًا.
3) وَصْف المنتحرين بأنهم شهداء مخالفةً لشرع الله ولِواقع حالهم؛ فلا يجوز أن يقال فلان شهيد لمن لم يشهد له (بعينه) الوحي بذلك، ولأنهم يقاتلون قولاً وفعلاً للحزب والأرض والهويّة والقومية لا «لتكون كلمة الله هي العليا» غالبًا.
وقى الله بلاد التوحيد والسنة شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وجميع بلاد المسلمين، وردّها إلى دينه ردًّا جميلاً.

1424/8/20هـ.